حتى لو وُضِعْتَ على الهامش .. فالمعجزة بداخلك

زينب بنت محمد الغريبية

تبدو لنا الفترة الزمنية التي نقضيها في الحياة قصيرة، لو نظرنا لسرعة رتمها، يبدأ الأسبوع فلا نشعر إلا بانتهائه، فزمن الحياة بالنسبة للفرد محدود مهما طال، فكم ستطول حياة الإنسان؟ هل لأكثر من مائة عام؟ وإن تعدّت كيف ستكون حالته آنذاك؟ لذا كيف علينا أن نقضي حيواتنا؟ وفيما علينا أن نقضيها؟ هل في شيء مفيد لنا ولمن يأتي خلفنا من ذرياتنا، وللبشرية جمعاء، أم في عبثٍ لا يطالنا منه سوى الهم والاكتئاب، وخراب النفس وضياعها، وضياع من حولها، وتحطيم قلوب من أحببنا، هذه الحياة لم تكن يوماً قاسية إلا بضعف الشخص وقلة حيلته.

تأتي الحياة بأشياء ثقيلة على النفس، قد تكون صغيرة ومقدور عليها، ولكنها تعني في لحظتها شيئاً كبيرًا حسب وقعها ودرجة تأثيرها، قد نقول إنّها أشياء تافهة لا تستحق النظر فيها، فإذا بها تهوي بحياتنا لمنحى سحيق، أو أننا ندخل تلك العثرات في نفوسنا ونعيش تراجيديا كتبنا لها سيناريو بأيدينا، تصنع لنا قيوداً تحد من حركة أفكارنا، فلا تستطيع إلا الحركة في فلكها، حينها نجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة وسط الآلام والمحن، وتتصاعد في النفس، دون أن نجد لها حلاً؛ لأنها قيدتنا، فكم من الزمن تأخذ هذه العملية من عُمرنا؟ وكيف ستتركنا بعدها؟.

فما علينا في الواقع إلا أن نعطي كل موضوع نصابه الصحيح من الاهتمام، فلا نبالغ فيه حد الاكتئاب، ولا نتركه حد الإهمال، بل نضعه خارج أنفسنا، ونتعامل معه كعامل خارجي قَدِمَ إلينا، نحاوره.. ننقاشه؛ لنصل معه إلى نتيجة تجعلنا متصالحين معه، أو نطرده إن استطعنا كي لا ندعه يتمكن من نفوسنا وينخر فيها حتى الدمار.

نحن هنا نعي قوة ما نصنع ومآله، فلا ندع الحياة تجرفنا معها ويقودها الشيطان أو العواطف، بل نضع حدًا لما ترمينا به، ونجدف بأشرعتنا برغبتنا نحن لا برغبة الرياح، علينا أن نتحدّاها، ربما نجد أنفسنا في غفلة نقتنع بوجود أشياء في الحياة قد تعكر صفوها، وتستهلك زمنًا من أعمارنا دون أن نصنع فيه شيئاً يُذكر، دون فائدة لنا أو لغيرنا، أو أننا قد استمتعنا بذلك الوقت على الأقل، فما أمامنا إلا المُضي نحو ما نريده نحن، نصنع حياتنا بأنفسنا، نُحدد تفاصيلها كيفما نُريد، ونستعين بخالق هذا الكون، ومنصف المظلوم، صاحب الوعد الرباني، لاستقبال دعوات المظاليم والمحتاجين، فلا نستعجل حينها الرد، فهو العالم بالوقت المناسب الذي تحتكم فيه الأمور، إيماننا هذا يجعلنا نوكل أمر العسر لله الواحد الأحد، ونستعين بالدعاء، ونعمل على طرد الهم. فتحل الطمأمنينة في النفس، وتعم أرجائها فتستريح..

بهذا نحن نعمل على تحويل السلبية المرافقة للهم والظلم إلى طاقة إيجابية نبثها في حياتنا، نحولها لتحدٍّ نبني بها النفس التعبة لترتقي، اليابان لو سلمت نفسها للنواح والبكاء بعد هوروشيما، وارتدت سواد الحداد، وحبست نفسها في زنزانة الأحزان، لما وصلت لما وصلت إليه اليوم، فهذا معنى تحويل الطاقة لمنحى الإيجابية لتحدث بها المعجزات، وأزمة النفط الواقعة فينا هذه الأيام، لو بقينا ننحب أنفسنا، ونتقوقع في ندب المشكلة وما ستؤول إليه الحياة، دون أن نُبادر كل من مكانه لنفسه في البداية، وستعم الفائدة مستقبلاً على مجتمعه، ولكن بالعمل الإيجابي، والاستفادة من الطاقات البشرية بشكل صحيح، ولا ننتظر الدعم من غيرنا في كل شيء، فلنبدأ بما نستطيع، ثم ننمو وتتوسع قدراتنا لاستيعاب العمل بدعم ذاتي أكبر، وهكذا ننمو وتنمو الحياة من حولنا، لو استغل كل فرد قدراته بالشكل الصحيح.

والموظف الذي عطلت قدراته في مكان عمله، بسبب أمور شنت عليه بسبب عمله وإنجازه، فإنّ عيشه في داخل تلك المشكلة لن يوصله لأبعد من نفاذ قدراته وذهابها أدراج الرياح، والعيش منكسرا وسط الظلم الذي حل به، سوف لن توصله إلا للسلبية والإنكفاء على الذات، والحبس في سجن الوظيفة التي تقهر كل من لا يعي سياسة الغابة في التعامل مع معطياتها، حينها الوقوف أمام هذه التحديات، وجعلها سلبيات خارجية تمضي في اتجاه متوازٍ معه دون المساس به، وليست في وضع ممتزج مع النفس، وليعمل بكل إيجايبة بقدراته التي وهبه الله إياها ليبني فيها نفسه في عالم بعيد عن الغابات، عالم يصنعه بنفسه، ويقوده بطريقته، ويمضي فيه نحو مستقبله، يكون بها أسس لشيء في حياته لنفسه بقدر إمكاناته وقدراته، وحقق ذاته واستغلّ قدراته بشكل إيجابي من ناحية، وساعد في مضي دفة الاقتصاد الوطني من ناحية أخرى ولو بالنزر الداخلي القليل، إلا أنه لم يستسلم ليكون عالة على الفكر والدولة ومن حوله من أسرته والمجتمع المحيط.

أسرار الكون ومعجزاته، أودعها الله تعالى في دواخلنا، في عقولنا التي خلقها الله لنا ليميزنا بها عن باقي المخلوقات، فلو أننا استخدمناها الاستخدام الأمثل، وشحذناها بالإيجابية والهمم، لمضينا في مقدمة الأمم بما نملك من روافد أخرى وهبنا الله إياها دون غيرنا من بني البشر.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة