حاتم الطائي
التوجيهات الساميّة التي تفضّل وأسداها جلالة السلطان المعظم؛ لدى ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء يوم الثلاثاء المنصرم، جاءت مؤكدة على أهميّة التنويع الاقتصادي، وهذه ليست المرة الأولى التي يبرز فيها جلالته ضرورة التنويع لاستدامة اقتصادنا الوطني، حيث نادى مبكراً لتكريس هذا المفهوم الاقتصادي؛ لتفادي مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للدخل؛ وهو النفط، وإيجاد مصادر أخرى مستدامة للدخل بما يكفل التكيف مع جميع المتغيرات.
وتكتسب التوجيهات السامية بضرورة اعتماد نهج التنويع الاقتصادي، أهميّة استثنائية في هذا الوقت، جراء الانخفاض الكبير في أسعار النفط، بغيّة تجاوز الآثار السلبية التي قد تترتب على ذلك، وحماية مُكتسبات الوطن والمواطن. وهذا يستلزم وضع هذه التوجيهات الكريمة موضع التنفيذ الفعلي من خلال برامج عمل محددة للقطاعات الواعدة المستهدفة في الخطة الخمسية التاسعة والمُتمثلة في السياحة والصناعة والتعدين واللوجستية والثروة السمكيّة، وهي قطاعات يعوّل عليها الكثير لتقود قاطرة التنويع الاقتصادي، ولتكن الأعمدة الأساسيّة التي سيرتكز عليها البناء الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة.
نعم.. تبرز الحاجة، إلى تبني دليل عملي لتنفيذ خطط التنويع الاقتصادي، يهتدي بخارطة طريق واضحة، ومحددة المعالم تتضمن التعريف بهذه القطاعات، وما تشتمل عليه من فرص استثماريّة وتوزيعها قطاعيًا وجغرافيًا، وكيفيّة إسهام القطاع الخاص بمختلف مستوياته من الشركات العملاقة، وحتى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والآليات التي سيتم من خلالها تنفيذ سياسات التنويع، والمبادئ التي تقوم عليها الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص لتحقيق الأهداف المرسومة لهذه القطاعات. ولا يختلف اثنان على أنّه ومن غير خارطة طريق تفصيليّة، وآليات تنفيذ واضحة ستظل خطط التنويع تراوح مكانها دون حظوظ وافرة من التنفيذ. وها نحن وقد انصرم ثلث العام الأول من أعوام الخطة الخمسيّة التاسعة، ولم نشرع بعد في تفعيل خطط التنويع الاقتصادي، بل ولم نحدد بعد المطلوب والمُستهدف من هذه القطاعات الواعدة!!.
إنّ نجاح الخطط والإستراتيجيّات يرتبط أولاً بالتطبيق على أرض الواقع، والتزام الشركاء بتنفيذ الخطة بعد أن يتم تحديد هولاء الشركاء من القطاع الخاص والمجتمع؛ ليتفاعلوا مع أهداف الخطة، ويستوعبوا آليات تنفيذها ضمن مبادئ أساسيّة ومهمّة، مثل الشفافية التي تعني إشراك المجتمع عبر الإعلام بخارطة طريق تطوير القطاع، ومن الأعمدة الأساسيّة لنجاح تنفيذ الخطط، التكامل والتنسيق مع مختلف القطاعات ذات العلاقة لتضع بدورها الخطط اللازمة لتحفيز القطاع الخاص، وإزالة المعوّقات من أمامه ليحقق الأهداف المرجوة؛ فمثلا يتوجب على مجلس عمان العمل على التأكّد من سلامة البيئة التشريعيّة واستيعابها لمتطلبات الخطة ليتم تحقيق الهدف. وينطبق ذلك على مختلف الوزارات والمؤسسات كالقوى العاملة والبيئة والإسكان والبلديات؛ لتعمل جميعاً ضمن رؤية متّسقة وواحدة لتسهيل الإجراءات وضمان تطبيقها بسلاسة.
كما تتطلب خارطة الطريق اعتماد مبدأ الكفاءة في التوظيف، والقضاء على المحسوبيّات ضمن أسس منهجيّة وموضوعيّة ومهنيّة؛ لضمان اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، ولابد أيضاً من تفعيل مبدأ المحاسبة، بعد أن يتم تحديد الأهداف، ولابد - كذلك - الحد من البيروقراطية التي بلغت ذروتها في الكثير من الدوائر ذات العلاقة بخدمات المستثمرين.
ويجب التنويه هنا إلى أهميّة محاربة الفساد بكافة أشكاله الإداريّة والمالية لأنّه آفة تعوّق النجاح، وتهدّم البناء، كما يعتمد نجاح أي خطة على تحديد المهام، وتوزيع المسؤوليات، فالحكومة تضع الخطط والإستراتيجيّات والقوانين، وتقوم بالإشراف العام فيما ينهض القطاع الخاص بدوره في التنفيذ والعمل والإنتاجيّة.
ومن متطلبات نجاح سياسات التنويع الاقتصادي، تهيئة البيئة المحفزة للقطاع الخاص ليبدع ويبتكر ويستثمر.
إنّ توافر هذه الاشتراطات من شأنه إنجاح سياسات التنويع الاقتصادي، والتي سيكون عائدها توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين، وتحقيق مردود مجز على الاقتصاد؛ الأمر الذي يسهم في دعم وتعزيز النهضة العمانيّة، ويضفي على مسيرتها المزيد من مرتكزات القوة والاستدامة.