أطلِقوا مُبادراتِكُم للشبَابِ

سلطان بن خميس الخروصي

أينما وُجد الدّعم خلِقت روح الإبداع والابتكار، وأينما وُجدت المُبادرات تحققت الإنجازات والمُنافسات، فلا يخفى على ذي بصيرة أنّ الإنسان بطبعه خلق مجبولا شغوفا بالتجديد والتفكير والتنافسية، خاصة في هذا الوقت الذي يشهد زخما غير مسبوق في وتيرة التحديثات الحضارية والتكنولوجية والإنتاج الفكري والمادي على حدٍ سواء، علاوة على أنّ التعريف العصري للاستثمار والاقتصاد العالمي الحديث وفق ما أوردته الأمم المتحدة أصبح يعني بدرجة كبيرة رأس المال البشري عِوضا عن ماهية الاقتصاد النمطي القائم على المادية البحتة، ومن هذا المنطلق وجدنا أن كثيرا من دول العالم بدأت تُطلق مبادرات جمَّة في سبيل تفجير طاقات كوادرها الوطنية بمختلف المستويات والمجالات للحصول على خامات بشرية واعدة يمكنها أن تقدم نماذج عالمية بجودة رفيعة.

كلنا صفَّقنا وبحرارة لتميز النموذج العماني في مختلف المبادرات الخليجية والعربية والعالمية سواء في مجالات حفظ القرآن الكريم، أو الابتكارات، أو الخطابة، أو الإنشاد، أو الشعر النبطي والفصيح، أو إدارة الحوار، أو فصاحة اللغة العربية، أو العالم الكيميائي الصغير وغيرها من المبادرات التي نسمع عنها بين الفينة والأخرى من دول الجوار أو على المستوى العالمي، ليبقى السؤال الجوهري هو: أين مبادراتنا العُمانية لاحتواء مثل هذه النماذج التي تُغرِّد خارج الوطن وتقطف ثمارا يانعة؟!

عُمان ومنذ القدم كانت تمتلك رصيداً هائلاً من سلالة العلماء والفقهاء، ونواخذة البحر، وعلماء النجوم، وفطاحل الشعر، وجهابذة اللغة، وأدباء الرحلات، وساسة التاريخ والجغرافيا، وحناجر ذهبية من المنشدين والمغنين، وعمالقة الخطابة وغيرهم، كما أنّ الأمة العربية والإسلامية كانت تمتلك زخما كبيرا من تلك النماذج والتي كانت تلقى تعزيزا وتشجيعا من بهو قصور الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء؛ فالخليفة المأمون وحينما أنشأ "بيت الحكمة" كان يزن لكل مؤلف بما كتبه قطعًا من الذهب، وكان أبو جعفر المنصور يُجزل العطاء للشعراء من المال والكساء والطعام، وفي إبان حكم العثمانيين كان محمد الفاتح قد أفصح للملأ بكل من حفظ القرآن الكريم، أو أنتج كتاباً أو موشحات أو استطرب أغنية بديعة أن يُمنح دارًا عامرة بالطعام والماء والفراش الوثير وله مصروف شهري يقضي به حوائجه، ويروى أن الخليفة الأموي بالأندلس حينما سمع بكتاب "الأغاني" المشهور بالأدب لمؤلفه أبو الفرج الأصفهاني أرسل في طلب نسخة منه على أن يُعطى مؤلفه ألف دينار من الذهب، فكل هذا التعزيز والتشجيع يبعث في المرء روح التنافسية والإبداع والسعي لإنتاج الجديد المُفيد.

لكن المتتبع في السلطنة لمثل هكذا مبادرات يجدها قليلة جدا أو شبه معدومة في وقت يكشف الإعلام الخارجي أننا نملك نماذج مُتمكنة في مجالاتها وتمتلك صبغة عالمية للتنافس!، إلا أنّ المُبادرات للأخذ بيد هؤلاء الفتية والفتيات نادرة جدا سواء من المؤسسات الحكومية والمتمثلة بشكل خاص في اللجنة الوطنية للشباب وبعض الجهات الحكومية المعنية بالأمر أو حتى من قبل القطاع الخاص كالشركات الكبرى التي تقدم لها الدولة تسهيلات جمَّة.

إذاً نحن بحاجة لأن يتبنى القطاع الخاص مُبادرات شبابية حقيقة تلامس واقع المجتمع واحتياجاته وتتوافق مع رغبات الجيل الحالي من خلال إطلاق مواسم دائمة تسهم بالتجديد والتحديث والتطوير، نحن بحاجة إلى أن تتعهد المؤسسات الحكومية المعنية المبادرات الشبابية بصقل مواهب حافظ القرآن الكريم، والخطيب المفوَّه، والشاعر المُلهم، والإعلامي المتميز، والمبتكر الحذق، والمنشد أو المغني الذي تستلذ بسماعه الآذان، والباحث المتمكن وغيرهم الذين يجذبهم الإعلام الخارجي لإظهار مواهب شعروا بأنّها شبه منسية في وطنهم مع وجود مؤسسات حكومية أو خاصة كان حريُّ بها أن تستقطبهم برحابة صدر وتنافسية قوية.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك