ضرورة الوضوح بين الأهداف والإستراتيجيات والسياسات والخطط

مرتضى بن حسن بن علي

استضافَ مجلسُ الشورى عددًا من الوزراء لإلقاء بيانات والرد على تفسيرات وأسئلة متعددة. وفي هذا الإطار، استضاف المجلس في جلسته قبل الأخيرة معالي أحمد بن ناصر المحرزي وزير السياحة؛ لمناقشة ملامح الإستراتيجية الوطنية للسياحة 2016-2040، في الوقت الذي تجري فيه استعدادات ومناقشات واجتماعات لوضع الرؤية المستقبلية لعمان 2020-2040. وكنت أتمنى أن تكون الإستراتيجية السياحية ضمن تلك الرؤية، وأن تكون الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020م هي فترة إعداد البلد لنهضة سياحية شاملة. وعند مُتابعتي للنقاش الدائر في بعض وسائل التواصل الاجتماعي بدا لي وجود نوع من عدم الوضوح بين الأهداف والاستراتيجيات والسياسات والخطط؛ فالهدف يستهدف الوصول إلى غايات ونتائج مطلوبة ومحددة في وقت محدد بشرط توفر الإرادة والإمكانات المالية والمادية والبشرية وقوانين وتشريعات مرنة وصديقة، وهو ينقسم إلى قسمين: الكمي والنوعي. وتوضع له مقاييس للقياس محددة وواضحة. وبعد ذلك توضع الإستراتيجيات، أي التوجة العام المصمَّم بعمل المؤسسة للوصول إلى أهداف معينة، أي فن التخطيط وإدارة الموارد المتاحة بأقصى درجات الفعالية للوصول إلى النتائج المتوخاة. أما السياسات فهي مجموعة المبادئ والتوجهات العملية التي تحكم خط سير المؤسسة وادائها متضمنة اليات اتخاذ القرارات، أي أنَّها بمثابة خارطة طريق واضحة. أمَّا الخطط، فهي الإجراءات التنفيذية المحددة أو مجموع العمليات المنظمة التي يجب اتخاذها في تسلسل واضح، أي المراحل التفصيلية التي توضح أسلوبَ إتمام الأعمال وكيفية تنفيذها ومسؤولية الجهات المختلفة لتنفيذها والفترة الزمنية اللازمة لكل عمل.

وإعداد الرؤى وتحديد الأهداف والإستراتيجيات والخطط والسياسات ليس عملا سهلا، بل هو عمل ذهني وفكري ونظري بداية يتطلب بذل جهود كبيرة من الجهات المسؤولة عن وضع الرؤى وتحديد الأهداف والإلمام بجوانب عديدة من المشكلة التي يراد التوصل إلى حلول لها، وتوفير جميع الإمكانات البشرية والمادية والتشريعية اللازمة.

ما أود قوله أنَّ تحدي أي عصر -لا سيما عصرنا المعقد- هو تحدي الإدارة في جميع المجالات. والحقيقة التي ننساها أن السياسة -أية سياسة- هي في صميمها علم وفن ادارة موارد المجتمعات المختلفة والمتاحة بما يوفر لهذه المجتمعات صحتها ورخائها داخل حدودها وأمنها ومصالحها وراء هذه الحدود. وإدارة أية سياسة تتطلب ما يلي:

1- أن يكون هناك هدف أو أهداف عامة مرغوب فيها ومطلوب تحقيقها، وتكون هذه الرغبة وهذا الطلب موضع إجماع أو أغلبية وطنية مقتنعة أو يجري إقناعها، وعلى استعداد للعمل من أجله والبذل في سبيله وتحمل الآثار الجانبية المصاحبة. فإذا أتينا إلى موضوع السياحة مثلا، فإن هناك إيجابيات كثيرة لابد أن تُذكر وتُشرح، كما أنَّ هناك بعضا من السلبيات المصاحبة التي لا تُنكر، وعلينا التركيزعلى الإيجابيات والتغلب على السلبيات الناتجة عن كل عملية حياتية أو تنموية.

2- أن يكون الهدف واضحا ومحددا؛ لأنه ليس أخطر في السياسة من الرؤى الغائمة والحركات التي لا ترى لنفسها مقصدا واضحا تركز عليه بصرها باستمرار.

3- أن تكون لهذا الهدف إمكانية فعلية أو مضمونة أو على الأقل محتملة بنسبة عالية تسمح بتحقيقه؛ فليس هناك فائدة من أهداف مهما كانت واضحة ومحددة إذا كانت الوسائل والأدوات الضرورية لنوالها ليست موجودة وليست محتملة أو غارقة في الشكليات والعموميات.

4- أن تتكفل الحياة العامة بأن تعطي لإدارتها أصلح وأنضج العناصر المهيَّأة لتحمل المسؤولية، وطنية كانت أو دولية مشهودة، بما يُوفر درجة معقولة من الكفائة يحقق للهدف حدا مأمونا من فرص النجاح.

5- من الضروري أن يكون أي هدف من أهداف الرؤية مُعبَّرا عنه بمقادير كمية ونوعية قابلة للمتابعة والتحقق من قبل جهات رقابية كفوءة ومستقلة، ويكون من حقها الرقابة على إدارة العملية التنفيذية في مجملها، ومراقبة أية صعوبات أو انحرافات قد تحصل، وأن تكون الرقابة من مدخل الاهتمام والمناقشة والمتابعة أكثر من مدخل التحقيق والتفتيش والعقاب.

6- أن توضع إستراتيجيات وسياسات وخطط واضحة، كل واحدة تدفع بالأخرى لكي تتمكن الإستراتيجيات من الوصول إلى هدفها.

إضافة إلى ذلك، فإنَّ إيقاع الزمن الذي نعيشه فيه داعٍ يسبق غيره من الدواعي التي تفرض الحذر في اي تناول لمدة طويلة جدا. ولقد كان هذا صعبا في كل الأزمنة، وهو بالتأكيد أشد صعوبة في هذا القرن الذي على وشك الدخول الى عقده الثالث حيث السباق على أشده في العلوم والتكنولوجيا وتطبيقاتها، وفي الأفكار وانتشارها، وفي العوالم واتصالها، وفي العادات والتقاليد وتبدلها وفي الاحتياجات وتغيرها. والأجدى أن يكون النظر إلى خمس سنوات أو عقد على الأكثر؛ لأنَّ أكثر من ذلك صعب، مع بقاء الأهداف العامة ثابتة.

وإذا نظرنا إلى مجال واحد، واحد فقط؛ وهو: مجال المواصلات والاتصالات وما طرأ عليه من معدلات التراكم في السنوات الأخيرة، لرأينا صورة باهرة لحركة التغيير. فإذا وضعنا معدلات التراكم وتأثيراتها المتبادلة في كل النواحي؛ لأدركنا صعوبة استطلاع المستقبل بعد حدود معينة بقدر كاف من الثقة وشبه اليقين.

والأهداف والإستراتيجيات والسياسات والخطط تكون في حوار مستمر مع الأحداث والأطراف والزمن.

appleorangeali@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك