شروط تل أبيب القضمية - الأمنية

عبيدلي العبيدلي

في حَدَثٍ غير مسبوق منذ احتلالها لهضبة الجولان، عقدتْ الحكومة الإسرائيلية، أمس الأول، وللمرّة الأولى في تاريخها، جلستها الأسبوعية في هضبة الجولان. اعتبر البعض هذه الخطوة رسالة "موجّهة إلى الأطراف المتنازعة في سوريا وللمجتمع الدولي، تقول فيها (إسرائيل) إن الجولان المحتل منذ العام 1967 سيبقى تحت السيادة الإسرائيليّة، بعد ان تعهد رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو من خلاله القول إن الانسحاب من الهضبة السورية المحتلة ليس ورادا على الإطلاق" ووفقا لرواية إذاعة الكيان الصهيوني فإن "نتانياهو سبق أن أوصل هذه الرسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أثناء اجتماعه به مؤخرا، كما يعتزم تكرارها على مسامع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو". في زياراته المرتقبة خلال الأشهر القريبة القادمة.

وبهذا الإجراء وما رافقه من تصريحات صهيونية، يحاول الكيان أن يفرض على المجتمع الدولي، بعد الدول العربية، بطبيعة الحال، قرار "الكنيست الإسرائيلي في 14 ديسمبر 1981 فيما يسمى بـ"قانون الجولان: فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان"، الذي لم يعترف المجتمع الدولي، ورفضه مجلس الأمن في القرار رقم 497. وتشير وثائق الأمم المتحدة إلى منطقة الجولان باسم "الجولان السوري المحتل".

سياسة فرض الأمر الواقع، تؤكدها تصريحات نتنياهو، حين يقول لقد "حان الوقت ليعترف المجتمع الدولي بالحقيقة، حان الوقت بعد 50 عاما ليعترف بأن الجولان سيبقى الى الابد تحت السيادة الإسرائيلية، (مضيفا) هضبة الجولان ستبقى في أيدي إسرائيل الى الابد، ولن تنسحب إسرائيل أبدا من هضبة الجولان".

رد فعل البلاد العربية الوحيد جاء خجولا على لسان نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في تصريحات لوسائل الإعلام أشار فيه إلى أن "السوريين مستعدون لاسترجاع الجولان المحتل من قبل إسرائيل بكل الوسائل بما فيها العسكرية". ليس المراد هنا المقارنة بين "صلافة وجرأة" التصريحات الصهيونية، مقابل "استحياء وتحفظ" ردود الفعل العربية. فما هو اهم من ذلك فهم الأسباب التي تقف وراء هذه الخطوة الصهيونية وتوقيتها.

فأهم الأسباب الكامنة وراء إعادة تأكيد العدو على رفضه المساومة على ملكيته للجولان التي ترفضها كل القوانين الدولية، هو تلك الأهمية التي تمثلها الهضبة في حسابات الأمن "القومي اليهودي".

فأهمية الجولان ترد في الكثير من الوثائق الصهيونية التي تبودلت بين القوى التي ساهمت في تأسيس الكيان الصهيوني، لعل من أبرزها تلك الرسالة الي خاطب بها مؤتمر سان ريمو المنعقد في عشرينات القرن الماضي، زعيم الحركة الصهيونية يومذاك "حاييم وايزمان"، عبر خطاب وجهه إلى رئيس وزراء بريطانيا "لويد جورج"، قال فيه "وضعت المنظمة الصهيونية، منذ البدء، الحد الأدنى من المطالب الأساسية لتحقيق الوطن القومي اليهودي. ولا داعي للقول إن الصهيونيين لن يقبلوا تحت أي ظروف خط سايكس- بيكو، حتى كأساس للتفاوض، لأن هذا الخط لا يقسم فلسطين التاريخية ويقطع منها منابع المياه التي تزود الأردن والليطاني فحسب، بل يفعل أكثر من ذلك، إنه يحرم الوطن القومي بعض أجود حقول الاستيطان في الجولان وحوران التي يعتمد عليها المشروع بأسره إلى حد كبير". ثم عاد ديفيد بن غوريون وكرر الطلب ذاته حرفيا "في رسالته التي وجهها باسم اتحاد العمل الصهيوني إلى حزب العمال البريطاني، في أبريل 1920".

مثل هذه الوثائق الصهيونية، وأخرى كثيرة غيرها تؤكد على أن الأهمية الخاصة التي تتمتع بها هضبة الجولان في المشروع الاستيطاني الصهيوني مصدرها ثلاث عناصر رئيسة هي: "إن سيطرة إسرائيل على هضبة الجولان توفّر حدودًا يمكن الدفاع عنها من غزو بري، كما أن إصابة أهداف في شمال إسرائيل بأسرها بنيران المدفعية من هضبة الجولان، أمر يظل قائما في غياب سيطرة إسرائيلية كاملة على الهضبة. وتسيطر هضبة الجولان على موارد المياه الرئيسية لدولة إسرائيل".

وبدوره، يستقرئ الباحث في شؤون إسرائيل وسياساتها الأمنية أنطوان شلحت، بعض التحولات الاستراتيجية والسياسية التي باتت تركز عليها تل أبيب في ضوء التحولات الترى عرفتها المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية، ويرى أنه "في ظل المتغيرات والتطورات الإقليمية فإن هذه التساؤلات والفرضيات التي وضعتها إسرائيل ما عادت سارية المفعول. فالمتغيرات فرضت تعقيدات على أمن إسرائيل إثر تعزيز التحالف بين سوريا وإيران وحزب الله، وإحداث متغيرات في مفهوم الخطر الأمني الذي تشكله سوريا بالقدرات الكامنة لديها بضرب العمق الإسرائيلي بالصواريخ، بعد أن اقتصر هذا الخطر في السابق على إمكانية قيام الجيش السوري بعمليات حربية برية لاستعادة الجولان".

هذا الاتجاه الأمني القومي الصهيوني كان قد سبق وأشار إليه نتنياهو -الذي أدلى بتصريح مشابه خلال حملة انتخابية في العام 2009، حين أفصح عن محادثة هاتفية "مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أبلغه خلالها أن أي اتفاق سلام لإنهاء الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ خمس سنوات يجب ألا يهدد أمن إسرائيل. وأن هذا يعني "في نهاية المطاف طرد قوات إيران وحزب الله وتنظيم الدولة الإسلامية من الأراضي السورية".

وعليه، فلم تعد الجولان كما تريد أن تصورها حكومة تل أبيب، منطقة نزاع بين سوريا والكيان الصهيوني، بل باتت، وهذا ما تتضمنه رسالة عقد الحكومة الصهيونية اجتماعها في الجولان، جزء من إعادة رسم خارطة الشرق الوسط الجديد، الذي تحاول تل أبيب أن تضمن حصتها التي ترغب فيها منها، سواء من حيث مساحة الأرض، او موارد المياه، أو تأمين الحدود.

يأتي كل ذلك في ظل اقتتال عربي داخلي يسهل على تل أبيب فرض شروطها "القضمية-الأمنية".

تعليق عبر الفيس بوك