حتى يعم السلام

سُلطان السَّعدي

من أجل رفع تلك الراية البيضاء التي بها يتحقق السلم والإخاء والتعايش الديني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، ومن أجل أن يعم السلام بين العالم أجمع وإحكام أُسسه وأركانه وإرسائها، فمن الضروري الأخذ بالمسلمات البديهية والتعاطي معها وفق ما يتناسب وطبيعة المجتمعات والأفراد، ووفق أبعاد المواقف والإشكاليات؛ فالسلام كما يرى "دالي لاما" لا يعني غياب الصراعات؛ فالاختلاف سيستمر دائما في الوجود، والسلام يعني أن نحل هذه الاختلافات بوسائل سلمية، عن طريق الحوار، التعليم، المعرفة، والطرق الانسانية.

هكذا كانت ترى هذه الشخصية الصينية الشهيرة؛ لذا فمن الضروري تعميم ثقافة الحوار السلمي، والتي تعتبر أدباً وفناً وفكراً وأسلوباً، كما أنها مرآة لشخصية وسلوك وأخلاق المتحدثين والمتحاورين كما يراه المختصين في هذا المجال، ومن الضروري أيضاً إيجاد وتهيئة تلك التربة والبيئة الملائمة والمناسبة من أجل زرع ثقافة الحوار السلمي بين أفراد المجتمع، لنيل ثماره المأمولة وتسويقها ونشرها بين العالم كدلائل لحُسن الزرع وطيب الحصاد، بهذه الثقافة يتم حل الكثير من القضايا، وفض الكثير من النزاعات والخلافات، وبها يكون الأمر سهلاً في امتصاص التعصبات، وبها تُصبح النفوس أكثر اتزاناً وهدوئاً ورويةً. الحوار السلمي، هو الثقافة التي بها تآلفت قلوب، وتآخت نفوس، الثقافة التي أصبحت بها الشعوب أكثر رأفةً وإحساساً وقرباً من بعضها، هو ذلك الأسلوب الراقي الجميل والمحبب إلى كثير من أولي العقل والبصيرة والمنطق، حيث به يُقدرُ الإنسان معنى الإنسانية، ويعي مفرداتها وسماتها وخصائصها، كما أنه بمعرفته وإلمامه به يؤمن بأنه مهما كان الاختلاف قائم بين بني البشر لا يعني ذلك (التمرد والانزواء والكره)، وإنما يعني أن الطبيعة الإنسانية ومراحلها تتفق وتختلف وفق ما تراه باختلاف مقاييسها ورؤاها ودواعيها، ووفق ما تقرره من آراء وتصدره من أحكام تعبيراً منها تجاه كل موقف، نعم قد لا تتوافق وجهات النظر بين الأفراد والمجتمعات في كثير من القضايا والأعراف، وهذا أمر طبيعي جداً، سواء كانت تلك القضايا تتعلق بالجانب الاجتماعي أو الجانب السياسي أو الجانب الاقتصادي أو غيرها من الجوانب الأخرى كما أسلفنا، ولكن لا يفسر ذلك بعدم الرغبة أو القبول في إحلال السلم والسلام؛ فالكل له الحرية في إبداء الرأي وطرح وجهة نظره حول تلك الجوانب المختلفة والمتنوعة.

... إنَّ التناقضات قائمة ليست بين الجماعات وحسب، وإنما بين الإنسان وذاته، فتجده متقلبَ الرأي والمزاج؛ الأمر الذي يُسهم في كثير من الأحيان في خلق الكثير من الاضطرابات والسلوكيات وتدفع به إلى التصرف الخاطئ دون وعي وإدراك، تارة مؤيد وأخرى معارض. إن المؤمن بمقولة الاختلاف في الرأي لا يفسدُ للود قضية تجده أكثر حِكمة من غيره، حيث إنه يبتعد عن التعصب والتزمت عند كل حوار، ولا يؤمن بهما في حل أي قضية على وجه البسيطة، فتلك المقولة هي الشعار الذي لطالما ارتكزت عليه الكثير من الرؤى الفكرية عند الكثير من الأفراد، وآمنو بأنها القاعدة الأساسية والضرورية في أي حوار كان، كما أنها إحدى الطرق المهمة التي يجب أن يسلكها المحاور أو الناقد من أجل الوصول إلى الحلول المناسبة والسلمية ومعرفة الحقيقة دون تجاوز وتخطي الفكر والرأي الآخر بعيداً عن الديكتاتورية الحوارية عند التفاوض.

إنَّ ثقافة الحوار السلمي لغة يجب أن يتقنها الفرد إذا ما أراد العيش بعيداً عما يعكر صفو حياته، وفلسفة يجب أن تعيها الكثير من الشعوب التي تتقوقع على نفسها وترفض تقبل الآخر.

sultansalim2@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك