إنَّهم يئدون الزراعة!

حَمَد العَلوي

إنَّ النفط الذي نعتمده في عُمان ثروة قومية، إنما هو شعار خادع، وقد لُدِغْنا من جحره مرتين، والسياحة المسمَّاة بالمصدر البديل، إنما هي صناعة الترف، فهي تهتزُّ مع أدنى تصريح في الغرب، أو الشرق يمسُّ الأمن والاستقرار، ولو كان مجرد شائعة مغرضة، فاتركوا هذه الوسائل الناضبة أو المهتزة، وهي لا تفيض علينا إلا في زمن الرخاء، واصنعوا منها ما يمكن صنعه للبنية الأساسية، كالطرق والمباني والمشاريع التي تدوم حتى ولو ذهب معينها الطارئ، فعُماننا الدولة العتيدة لم تكن لتقوم وتبقى لولا وجود أسباب الدوام الحقيقية، وقد منَّ الله عليها بها منذ آلاف السنين. وهي الزراعة، حيث ظلت عُمان مقصداً للبعيد، ومغنىَ للساكن في ربوعها، ومجذبُ خير للخلق من كل بقاع الأرض.

إن السلطنة التي سادت بقاع كثيرة من الأرض والبحار في الماضي، لم يكن منشأ معيشتها على عزبة مؤقتة أو مرتحلة، تستورد إليها الأرزاق من الخارج، وإلا ما استطاعت الرسوخ والاستقرار، وليس ذلك وحسب، وإنما استطاعت أن تصد أطماع جبابرة الأرض، لو أنها كانت ضعيفة لا تجد قوتها.. فهل ستقوى على ذلك؟ إذن كيف لنا أن نُضعِف أنفسنا بأنفسنا اليوم؟! وأن نلجأ إلى دول العالم نستقرض منها لنأكل، فلماذا لا نأخذ العبر من التأريخ؟! فعبر التأريخ فيها حكم كثيرة.

إنَّ لنا في الصحابي العُماني "مازن بن غضوبة" مضرب المثل والقدوة الحسنة في الأخذ بالأسباب، فعندما طلب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لأهل عُمان؛ وذلك للأخذ بالأسباب، فلم يطلب لهم الرزق بغير حساب، فقال عليه الصلاة والسلام: "اللهم اهدهم".. وفي هذا الأمن والاستقرار، فقال مازن: زدني يا رسول الله، فقال: "اللهم ارزقهم العفاف والكفاف والرضا". وهذه خصال تُبعد الإنسان عن الفساد، فقال مازن: يا رسول الله إن البحر ينضح بجانبنا، فادعُ الله يبارك في ميرتنا وخفنا وظلفنا، فقال النبي: "اللهم وسع لهم وعليهم في ميرتهم، وكثر خيرهم في بحرهم". وفي هذا حثٌ على الكدح والعمل، والاعتماد على الذات، فكيف نترك تفعيل دعاء الرسول لنا في البر والبحر، ونذهب نركض وراء سراب هارب، أو ننتظر أن يأتينا الرزق من حيث لا نحتسب، فهل نأخذ قدوتنا من بني إسرائيل، فنطلب مائدة تنزل علينا من السماء، ونترك قدوة الصالحين من عباده المخلصين، فهذه مريم عليها السلام، وهي في أضعف حالة نفسية ومرضية، أُمرت أن تهز بجذع النخلة تساقط عليها رطباً جنياً، أليس في هذا حكمة وموعظة؟!

... إنَّ إهمال الزراعة في عُمان، لا بل التضييق على المزارعين، وذلك بكثرة الأنظمة والقوانين والعقد، وإهمال الاعتناء بأمراض النخيل، وضعف مكافحة الآفات، وضعف الاعتناء بموارد المياه، فلا سدود تحبس المياه الذاهبة إلى البحار، أو الرمال، وتشتيت جهود المواطنين في الركض بين الوزارات، فوزارة الزراعة لها عقدها التي لا تنتهي، ووزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، وموارد المياه لها عقدها الكثيرة، والبلدية لها عقد من نوع خاص، ووزارة الإسكان لها عقد يصعب فكها، والحساد لهم طرق النفث في كل تلك العقد، فكل ذلك جعل من الشأن الزراعي يؤول إلى الوافد، الذي يُدمر الأرض ويُهدر الماء، وعلى المواطن أن يحصل على احتياجاته من سوق الموالح، الآتي من وراء الحدود، ولا ننسى مزارع الزينة للمترفين، فهي صاحبة الحظ الوفير في العناية، رغم أنها غير منتجة وفقط لبهجة نفس الأغنياء، وهي تهدر المياه وحسب، ونراها في ازدياد مستمر للأسف الشديد.

وإذ أحصر الحديث اليوم في البر، فإنني أترك شأن البحر وصيده إلى وقت آخر، ونحن إذ ننظر للسدود كأداة فاعلة في إدخار مياه الأمطار، نجدها قليلة جدًّا، ولا تفي بالغرض الزراعي وتطويره، وقد يقول قائل هذا سد ضيقة الضخم الكبير، وقد كلف الدولة ما يقارب النصف مليار، فنقول إنه مجرد بحيرة خضراء، نتيجة لأنها أصبحت مرتع للطحالب، ولها منظر جميل للنظر إليها من بُعد، وكذلك عندما تفيض شلالاتها النياجرية بعد نزول المطر، فتعطي منظراً خلاباً وفريداً في المنطقة، ولكن: هل هذا يكفي؟!! إنَّ المرء يتمنى على الجهات المعنية، لو أنها لا تترك وادياً واحداً دون سد، بل أكثر من سد في الوادي الواحد، بحيث يُنشأ على كل ثلاثة كيلومترات سدٌّ، وفي بعض الأماكن على كل عشرة كيلومترات سد، ولنرى بعد ذلك كيف ستكون الزراعة في عُمان؟!

ثم إنَّ الأمر يجب أنْ لا يتوقف على السدود وحدها، بل نحتاج إلى دعم مادي ومعنوي، فلا يكف أن نعرض مشروع لزراعة مليون نخلة، ثم يتبخر المشروع مع الوقت، وذلك لعدم الجدية في العمل، ولا يمكن أن تحمل المسؤولية للمواطن، وهو لا يجد أحد من المسؤولين يضع يده بيده، نريد أن تقود الحكومة مشروعا لاستثمار الزراعة، كمنظومة متكاملة، فنريد شركة تعنى بشراء الثمار من المزارع بأسعار مدعومة، وأن تقوم بتسويق تلك المنتجات، وأن يكون لدينا مراكز للبحوث والتوجيه الزراعي، فيقوم دورها على تطوير المنتجات، وتحسين جودة المنتج، وأن تكون لنا نظرة في الإكتفاء المحلي، ومن ثم تصدير الفائض.. تُرى هل سننتظر طويلاً، حتى نرى رد الاعتبار للزراعة العُمانية، التي كان يقوم عليها 80% من الشعب العُماني قبل نزقة النفط.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك