أفكار هندسية بحصيلة معرفيّة

خلفان العاصمي

ليس من باب الصدفة أن يحصد طلبتنا وطالباتنا جوائز المراكز الأولى في المسابقات العلمية والبحثية ذات العلاقة بالابتكار والروبوت التعليمي والذكاء الاصطناعي، وذلك على مختلف المستويات الإقليمية والعالمية. هنا لا أتحدث عن طلاب التعليم المدرسي فقط وإنما كذلك طلاب التعليم العالي، خاصة في المسابقات الهندسية والعلمية ذات الجانب الابتكاري، إذ يأتي ذلك كثمرة من ثمار برنامج التنمية المعرفية الذي تنفذه وزارة التربية والتعليم منذ العام الدراسي 2007/2008 م ويركز على مواد العلوم والرياضيات ومفاهيم الجغرافيا البيئية وجاء بناء على الحرص السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعـاه ـ للنهوض بالمستوى التحصيلي لأبنائه الطلبة والطالبات في الجانبين العلمي والمعرفي، وتحفيزهم وإثارة دافعيتهم لدراسة هذه المواد من أجل تحقيق التناسب المطلوب بين مخرجات التخصصات العلمية والإنسانية ومتطلبات التنمية في المجتمع وتعزيز مجالات الإبداع والابتكار لدى الطلاب بمختلف مراحلهم الدراسية.

بدأ تطبيق البرنامج في سنته الأولى على جميع طلبة وطالبات صفوف السابع والثامن والتاسع ليكون بمثابة تطبيق تجريبي، وبعد أن أثبت فعاليته كونه رديفا أساسيا لما يتعلمه الطالب من خلال المنهج الدراسي وحقلا خصبا للتطبيق العملي على القوانين والنظريات التي تدرس في مادتي العلوم والرياضيات، وإثراء للمحتوى المرتبط بالبيئة ومكوناتها في مادة الجغرافيا فقد تم التوسّع في تطبيقه في العام الدراسي التالي ليشمل جميع طلبة وطالبات الصفوف من الخامس وحتى العاشر، بهدف تحفيز طلبة الحلقة الثانية من نظام التعليم الأساسي وإثارة دافعيّتهم لدراسة المواد العلمية من أجل تحقيق التناسب المطلوب بين مخرجات التخصصات العلمية والإنسانية ومتطلبات التنمية في المجتمع، بجانب المساهمة في بناء الكوادر المشرفة على البرنامج وتطوير قدراتها العلمية والمعرفية مواكبة للتطور التقني والمعرفي الذي يشهده العالم.

لعلّ سعي وزارة التربية والتعليم من خلال تنظيم برنامج علمي وطني في الرياضيات والعلوم ومفاهيم الجغرافيا البيئية كبرنامج التنمية المعرفية، إلى جانب ما تقوم به من جهود في تطوير تدريس، وتقويم هذه المواد أدى إلى رفع قدرات الطلبة علمياً ومهارياً وشجّعهم على تحقيق الأهداف التعلمية التعليمية بشكل أفضل، من خلال بث روح التعاون والتنافس العلمي الشريف بينهم، حيث يتم تقييم المشاريع الابتكارية التي ينفذها الطلاب على مستويات مختلفة تبدأ من المدرسة، وتصل للتقييم المركزي على مستوى السلطنة، كذلك فإنّ البرنامج أدى إلى توجيه الطلاب لاستخدام أسلوب حل المشكلات الذي يرتبط ارتباطاً مباشرا بمفاهيم ومهارات المجالات العلمية التي يعنى بها البرنامج وعزز لديهم حب الابتكار، فمنذ انطلاقة البرنامج حتى يومنا هذا أنتج الطلبة المشاركون فيه ابتكارات عديدة تنبع من فكرة إيجاد حل لمشكلة مجتمعية معينة تتم دراستها وفق منهج علمي ثم يتم العمل على وجود ابتكار يساهم في حل المشكلة أو يخفف منها، بحيث يقوم الطلاب بتجسيد الابتكار عبر الأدوات المتاحة مع توضيح للفكرة وكيف ستصبح لو تمّ تطويرها وتبنيها بشكل احترافي، ولعل ما أذكره من المشاريع التي طرحت ضمن البرنامج، مشروع هندسي لجسر ولاية بركاء - قبل تشييده - حيث قامت مجموعة من الطالبات من إحدى مدارس محافظة جنوب الباطنة وبعد إحساسهنّ بالمشكلة بعمل تصميم للجسر مع المخارج والمداخل والحارات الالتفافية وغيرها من الأمور الهندسية، التي هي اليوم مطابقة فعلا لما عليه الجسر بعد إنجازه.

نظرا لمرور ما يقارب التسع سنوات على بدء تنفيذ البرنامج ولكون بعض من مخرجاته قد أنهت دبلوم التعليم العام والتحقت بمؤسسات التعليم العالي المختلفة فإنّ الكثيرين منهم وممن كانوا ذات يوم أصحاب ابتكارات بسيطة توجهوا لدراسة علوم الهندسة المختلفة بعد أن تعززت لديهم الرغبة في دراستها واتضح ميولهم لنوعية التعليم الجامعي الذي يريدون من خلال ما عايشوه في البرنامج من جوانب مرتبطة بالهندسة، والتقيت بالعديد منهم في المعارض والملتقيات التي تنظمها مؤسساتهم التعليميّة، وتحدثوا إليّ بأنّهم من مخرجات برنامج التنمية المعرفية، وأن ما أشاهده اليوم من ابتكارات تعرض في هذه المعارض وبهذه الجودة هو خبرة متراكمة مضاف إليها معرفة متحققة من خلال الدراسة الأكاديميّة.

سيظل البرنامج إذن ما لقي العناية والاهتمام وسخرت له الإمكانيات رافدا حقيقيا للمعرفة والابتكار في السلطنة، وإذا ما عزز بالدعم من قبل الهيئات والمؤسسات المعنية عما يقدم فيه من أفكار وابتكارات سيكون الحاضنة الأولى لمهندسي ومبتكري المستقبل مع أهمية أنّ نوثق كل ما ينتج من خلاله من أعمال ليكون ذلك شاهدًا على أنّ المهندسة فاطمة والمبتكر سلطان كانوا في يوم ما يرسمون هذا الحلم.

تعليق عبر الفيس بوك