حاتم الطائي
باتت توجّهات إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكثر وضوحًا، وهو يقضي سنته الأخيرة بالبيت الأبيض، ويلملم أوراقه إيذانا بالترجّل عن صهوة أقوى مركز لاتخاذ القرارات في العالم؛ وما يهمنا هنا ما يضمره سيد البيت الأبيض للدول العربية، وخاصة خليجنا العربي؛ الذي لا يزال البعض فيه يعول كثيرا على الرعاية الأمريكية. ونستطيع القول إن ذلك لم يعد ممكنا؛ إلا في الحدود الدنيا، وبما يخدم المصالح الأمريكية.
هذه حقيقة صادمة جدًا، ولكن على دول الخليج أن توطّن نفسها للتعامل معها، وعليها أن تفهم أنّه لم تعد لها الأفضليّة في قرارات واشنطن، وعلينا أن نتذكر بأننا لم نعد نعيش في ظلال الحرب الباردة، فهذه مرحلة مختلفة تماماً لها أولويّاتها المختلفة وتحدياتها المغايرة، والولايات المتحدة دولة براغماتية بامتياز لا يعنيها بالدرجة الأولى سوى مصالحها التي تتغير بتغير الظروف، فلا وجود لاصدقاء دائمين لأمريكا بل مصالح دائمة.
كما علينا أن نتذكر أنّ الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط كانت ولا زالت قائمة على ضمان أمن إسرائيل أولاً، وتدفق أسعار النفط بأرخص الأسعار إلى الدول الغربيّة. وبالنسبة للشق الأول المتعلق بأمن إسرائيل، فقد تمّت كفالته بتدمير الدول المركزيّة العربية واحدة تلو الأخرى. فقد تمّ تدمير العراق في مارس 2003 بالغزو الأمريكي المباشر، كما تمّ تدمير سوريا بواسطة الحرب الأهليّة التي قضت على الأخضر واليابس لتتحول إلى دولة فاشلة وجريحة، وجرى تدجين النظام المصري بفضل معاهدات السلام مع إسرائيل، فأمن إسرائيل تمّ ضمانه لعقود من الزمان؛ ولتكون القوة الرئيسيّة في المنطقة أسوة بتركيا وإيران.
وفيما يتعلّق بالنفط السلعة الإستراتيجية لدول مجلس التعاون التي منحتها القوى المالية لعقود، فقد انهارت بفضل إغراق الأسواق العالمية بالنفط في حروب ليست لنا مصلحة فيها، وأعني هنا إنهاك الاقتصاد الروسي والإيراني؛ الأمر الذي تمخض عن نتائج كارثيّة على دول مجلس التعاون لتصل خسائرها إلى 300 مليار سنوياً جراء انهيار أسعار النفط، كما أنّ نجاح إستراتيجيّة الطاقة الأمريكية للاستغناء عن النفط العربي نجحت باكتشاف النفط الصخري، بل إنّ الولايات المتحدة تعمل لأن تكون مصدرة للنفط بعد أن كانت مستوردة على مدى أكثر من 50 عاماً.
وإذا أضفنا إلى ذلك، التحوّل النوعي في علاقات إيران مع الغرب بتوقيع الاتفاق النووي، تكون المنطقة وفي نظر الولايات المتحدة قد جُرّدت من كافة العوامل التي كانت فيما مضى تعطيها الأفضلية على ما سواها من دول العالم.
ولقد أفصح أوباما وبوضوح تام عن توجهات الإدارة الأمريكية للحقبة المقبلة، في حوار مطوّل مع مجلة "اتلانتيس" قبل عدة أسابيع، وهي توجهات لن تنتهي بمغادرته للبيت الأبيض، بل ستستمر بغض النظر عن الرئيس القادم؛ لأنّ الإستراتيجيّات الأمريكيّة مدروسة بعناية فائقة، وهي طويلة المدى في غالبيتها.. إذا كان هذا واقع الحال، فلِمَ يحرص الرئيس الأمريكي على عقد قمّة خليجيّة أمريكية في الرياض؛ من المقرر أن تلتئم في 21 أبريل الجاري، وهي القمة الثانية خلال أقل من عام، بعد أن عقدت سابقتها في سبتمبر الماضي في كامب ديفيد؟.
أرى أنّ المسعى الأمريكي لعقد قمة الرياض، يأتي في سياق متماهٍ مع الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه دول الخليج العربي، حيث سيحاول أوباما إيصال رسالة لمضيّفيه بضرورة تبني نهج إصلاحي شامل لكافة المجالات السياسيّة والاقتصادية، والعمل على التصالح التام للأنظمة مع شعوبها؛ لأنّ المنطقة لم تعد محور اهتمام واشنطن، فأعين الولايات المتحدة اليوم متجهة صوب شرق آسيا بشكل واضح لأسباب كثيرة؛ منها العمل على وقف تمدد التنين الصيني، واحتواء صعود آسيا؛ وهنا يأتي استعدادها لكسب إيران في جبهتها الجديدة في مواجهة الصين، كما لا يخفى إعجاب الإدارة الأمريكية بكيفية إدارة الإيرانيين للمفاوضات ومدى تطور نظامهم المؤسسي؛ مما يؤهلهم لأن يكونوا شركاء، وفي المقابل لم تستطع الدول العربية أن تطور من مؤسساتها السياسيّة بالشكل الكافي؛ استجابةً لطموح شعوبها في التطور الحضاري.
هذا هو الواقع الذي يجب أن نفتح أعيننا وقبل ذلك أذهاننا للتعامل معه بعقلانيّة وحكمة بعيدًا عن ردود الأفعال.
يأتي أوباما إلى المنطقة وفي جعبته الكثير من الاقتراحات والتوجهات التي لم تعهدها دول المنطقة من أمريكا.. سيحاول أن يطرح مفهوم ضرورة تصالح الإسلام مع الحداثة، وأن يجدد خطابه ومفرداته لتوائم معطيات العصر.. سيقول ذلك رغم أنّ التصرفات الأمريكية مسؤولة - ضمن عوامل أخرى - عن نشوء ظاهرة التطرّف واستفحالها في المنطقة عبر سيناريو التأجيج الطائفي لاحتواء واستنزاف إيران قبل توقيعها على الاتفاق النووي، وتفتيت العراق في حرب أهليّة طائفية تستمر لعقود مقبلة، من الصعب أن تتنصل أمريكا عن مسؤوليتها في الفوضى الدمويّة التي تعم المنطقة؛ كنتيجة لغزو العراق في 2003، والذي لولاه لما ظهرت داعش، وقبل ذلك لولا حرب أفغانستان لما ظهرت القاعدة!
وهنا يطل السؤال ما الذي نتوقعه من الإدارة الأمريكيّة في المرحلة المقبلة؟
وقبل أن نبحث عن الإجابة علينا أن نبلور مشروعنا العربي كمشروع حضاري متكامل في الإصلاح السياسي والاقتصادي، ووضع خارطة طريق للتقدم والتعامل بنديّة مع القوى العالمية الكبرى، والاستفادة من دروس وعبر الأخطاء التي ارتكبناها خلال العقود الماضية، والتي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من أوضاع غير مُشرّفة؛ وهذا لن يتأتى إلا بالتركيز على قضايا التعليم، والصحة، ومحاربة الفساد، والحكم الرشيد وغيرها من أولويّات تعيد الثقة للذات العربية الجريحة؛ لتلِجَ المستقبل بثقة وثبات.