هل تراجع التعمين في القطاع الأهلي؟

عبدالله العليان

قبل أسبوع، كنت في إحدى العمارات التجارية في العاصمة مسقط، وهذا المبنى يضمُّ الكثيرَ من المؤسسات التجارية وغيرها، وكان الوقت يقترب من الواحدة بعد الظهر؛ فشاهدت خروجَ العديد من الموظفين الوافدين من إحدى هذه المؤسسات في أحد الطوابق، ولم أشاهد موظفاً عمانيًّا يخرج مع الخارجين، وكان التوقيت مع انتهاء الدوام الرسمي للقطاع الخاص، وهذا أمر لافت حقيقة، أن تخلو مؤسسات في القطاع الخاص،من وجود موظفين عمانيين، وتلك الشركة هى من شركات تمويل السيارات، واستغربت: لماذا لم يتحقق التعمين في أغلبية هذه الوظائف، مع أن تلك المهام الوظيفية في شركات التمويل، لا تتطلب مؤهلات عالية، وتكفي هذه الوظائف مخرجات الثانوية العامة، وهم ربما بعشرات آلاف العمانيين المسجلين في هيئة القوى العاملة! وعندما كنت أتناقش مع أحد الأصدقاء حول ما شاهدته في الموضوع المشار إليه، وكنا في الطريق إلى منطقة الخوير السكنية، قال لي: انظر إلى هذه الأعداد الكبيرة من السيارات الخارجة من الدوام الرسمي للقطاع الخاص، والأغلبية من الموظفين الوافدين، وفعلاً تشاهد أعدادًا كبيرة من غير العمانيين في هذه السيارات الخاصة والنقل العام، والحقيقة أنَّ قضية التعمين، تحتاج إلى وقفة جادة، وتحّرك من المؤسسات المعنية، خاصة مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى لمناقشة التعمين في هذا القطاع، لأن عدد الباحثين عن عمل في ازدياد كبير، ولابد من جهود كل الأطراف لوضع قضية التوظيف للعمانيين في الأولوية القصوى، والتأخير في هذا الأمر ليس جيداً، وهذا ليس خافياً على من يهمه الأمر، عندما نتأخر عن حل قضية العاطلين عن العمل.

وقد سبق وكتبت في هذه الجوانب، العديد من المرات، وسوف نكرر هذا القول حتى تتحقق أهداف التعمين في بلادنا، وهذه مسؤولية الجميع، وليس الكتاب والصحفيون فقط هم المخول بهم الحديث عنها بين الفترة والأخرى؛ لذلك فإن الأمر ليس عاديًّا وطبيعيًّا، بل يحتاج إلى مراجعة من وزارة القوى العاملة، ومن الهيئة المعنية بالتعمين، خاصة أن الظروف الاقتصادية الحالية بسبب انخفاض أسعار النفط، وتوقف التوظيف في القطاع الحكومي، تستدعي أن تشَّمر السواعد للنظر في المخرجات الكبيرة الحالية والقادمة للإحلال في الوظائف التي يشغلها غير العمانيين في هذا القطاع. نعم، نحن لا نرفض الخبرات الوافدة، ولا ننكر دورهم في العقود الماضية، لكننا نشاهد وظائف كثيرة جدًّا لا تحتاج لخبرات كبيرة، يشغلها الكثير من الوافدين، خاصة وأنها كثيرة في أغلب القطاعات، وفي مؤسسات كبيرة، وقد طرحت مسألة التعريب في القطاع الخاص الذي لا يحتاج إلى لغة أجنبية، وعلينا أن نفرض لغتنا، مثل كل شعوب العالم؛ لذلك يجب أن نعزز اللغة الوطنية، ونجعلها أساسية في كل تعاملاتنا الإدارية والفنية، وهذا يتطلب أن نركز على التعريب ليتاح للعماني أن يحل في الوظائف الشاغرة؛ فاشتراط اللغة الأجنبية أتاح الفرصة للعامل الأجنبي، بصورة واضحة وجلية، ويقفل الأبواب أمام العامل الوطني. فأهمية اللغة الأجنبية -كما يقول د.أحمد الضبيب- "تندرج حسب اهتمامات الأشخاص، والمواقع التي يحتلونها في المجتمع، من حيث قربها من مصادر اللغة أو بعدها عنها؛ ولذلك فإن اللغة الإنجليزية قد تكون مهمة جداً لبعض الناس الذين تتصل أعماله بها اتصالاً مباشراً، ولكنها قد تكون أقل أهمية للآخرين، بل إن الحاجة إليها تنعدم من درجة الصفر عند كثير من الناس الذين يجب أن تقدم لهم الخدمات والاحتياجات في بلادهم باللغة العربية، كما يحدث لمعظم مواطني بلاد الدنيا. إذن؛ فمادامت اللغة الانجليزية غير (ضرورية) لكل مواطن، ولكنها مهمة لبعضهم وتتدرج أهميتها حسب الاختصاص والثقافة والموقع؛ فليس هنالك ما يدعو إلى تعليمها منذ الصفوف الأولى في المدرسة. لأن التعليم العام ملزم بتقديم الضروريات، التي لا يستغني عنها المواطن في حياته، أما ما يتفاوت فيه الناس فإن ذلك متروك لكل شخص على حدة، فهو أقدر على إشباع رغباته واحتياجاته الثقافية بالطريقة التي يختارها، من غير فرض أو إجبار".

ونعود إلى قضية الأعداد الهائلة من العاملين الوافدين التي تجاوزت ربما المليون وربع المليون في بلادنا! وهذا خطر من كل النواحي، سواء الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو حتى السياسية، ونحن قبل سنوات، كنا عندما نقرأ الكتابات والدراسات عن مخاطر العمالة الوافدة في منطقة الخليج، كانت هذه الدراسات والأبحاث، تستثني بلادنا من هذه المشكلة المتفاقمة في بعض دول المنطقة، الآن نحن بدأنا نقترب من هذه المشكلة، خاصة وأن هذا الرقم يصل إلى ما يزيد على 40% بالنسبة لعدد المواطنين العمانيين، وهذه نسبة كبيرة جدا، سواء في مجال المنافسة، أو الأضرار الأخرى التي يعرفها أهل الاختصاص، وهذا لا يعني أننا ضد العمالة الأجنبية، بل نحن نريد الحاجة الفعلية التي لا تجعل المواطنين لا يجدون وظائف في وطنهم، في وجود عمالة كبيرة في بلادنا، وهذا مشكلة لابد من النظر إليها من الجوانب المختلفة، والذي نعتقده أن قضية الإسراع في توظيف الباحثين عن عمل قضية محورية وأساسية، وحاجة اجتماعية وأسرية، وهذه مسألة تدق ناقوس الخطر، إن لم نتحرك لمعالجة هذا الأمر بجدية، ومتابعة حثيثة، وبقوانين ملزمة، وهى موجودة من سنين طويلة في لوائح ثابتة، وهذا ما نود أن يتحقق عاجلاً وليس آجلاً.

تعليق عبر الفيس بوك