مستقبل واعد لمحبي الرياضيات في المعمل المتخصص بمدرسة عبدالله بن أنيس بالخابورة

حمد الحوسني

زرت معمل الرياضيات في مدرسة عبدالله بن أنيس (5-12) بقرية الغيزين بولاية الخابورة بمحافظة شمال الباطنة مؤخرا. ومدرسة عبدالله بن أنيس هي مدرستي الأولى التي درست بها من الصف الأول إلى الصف الثالث الإعدادي (1-9). وبدأ مشروع معمل الرياضيات، وهو المعمل الأول لمادة الرياضيات على مستوى مدارس سلطنة عمان حسبما أفادني المشرف عليه صديقي العزيز الطموح المبدع المثابر الأستاذ سليمان بن عبدالله بن سليمان الحوسني معلم مادة الرياضيات بمدرسة عبدالله بن أنيس، منذ عام تقريبا، واطلع المشرف قبل إعداده ولمدة شهرين على مجموعة من التجارب السابقة في هذا المجال، واستفاد منها، وطورها، وابتكر مجموعة جديدة بالتشارك مع مجموعة من طلاب المدرسة.

تقوم فكرة المعمل على استخدام التعلم النشط الذي تستخدم فيه أساليب متعددة؛ كالتعلم الواقعي، والاستكشاف، والتعلم عن طريق اللعب الذي يجمع بين المتعة والفائدة.

ويهدف المعمل إلى تبسيط تعلم مواضيع مادة الرياضيات، وتغيير انطباعات كثير من الطلاب السلبية حولها والمتمثلة في اعتبارها مادة صعبة، وتحبيب الطلاب فيها، وتحويلها من مجرد مادة تعتمد على الأرقام والمعادلات المجردة إلى مادة مشوقة وجذابة ومحسوسة وذات روح؛ تجعل الطلاب ينتظرون حصصها بفارغ الصبر، ويتمنون لو امتدت أوقاتها؛ وذلك من خلال استخدام مجموعة من الوسائل التعليمية التي تنوعت ما بين الألعاب والمسابقات والألغاز الإلكترونية والمجسمات وأجهزة قياس المساحات والأحجام والأطوال والسعات والحسابات المالية وتحويل المساحات والأحجام والأطوال والسعات وما يتعلق بالدوائر... إلخ.

وتستخدم هذه الوسائل بطريقة تخدم مناهج مادة الرياضيات، مع أخذها في الاعتبار مراعاة الوقت المخصص في الخطة الدراسية لكل موضوع. ومما شدني في هذا المعمل البكر - رغم عمره القصير- حسن تنظيمه وترتيبه، وثراء وسائله، وتعدد خياراته التي تناسب ميولات وتوجهات طلاب المدارس في مختلف مراحلهم الدراسية، وارتباطه بمقررات المناهج؛ بل وإثرائه لها.

ويحتوي المعمل على جهاز لوحي (آيباد) وجهاز عرض (بروكسيما) وشاشة عرض وكاميرا تصوير؛ إضافة إلى مكتبة تحتوي على مجموعة من الكتب المناسبة للطلاب، والتي يكلفون بالرجوع إليها لحل بعض الأنشطة؛ حتى لا تنقطع صلتهم بالكتاب.

ويحتوى المعمل على عدة أركان وزوايا مهمة أخرى؛ كركن التسوق؛ حيث يتعلم فيه الطالب العمليات الأساسية الأربع (الجمع، والطرح، والضرب، والقسمة)، والكسور، وتحويل الوحدات، وتحويل العملات، وركن التعلم السابق، وركن الدروس الإلكترونية، والركن المتضمن للاختبارات المتعلقة بمادة الرياضيات للصفوف (5-12)، وركن مشاريع وإنجازات وإنتاجات الطلاب؛ وهذا له أثر إيجابي كبير على الطالب؛ فهو يشعره بقيمته، ويعزز من ثقته بنفسه، ويجعله عنصرا فاعلا لا اتكاليا، ويؤسس في نفسه مبدأ التعلم الذاتي بجانب التعلم التعاوني، ويغرس في ذاته روح المبادرة والبحث والاستكشاف والابتكار والاختراع والصناعة، ويربطه بالعلوم والمكتشفات والمعارف ووسائل التقانة الحديثة، ويقوي لديه استخدام الخيال العلمي، ويكون لديه انطباعات واتجاهات وانتماءات موجبة نحو المادة، ويوضح له وبطريقة عملية كيف يمكن الاستفادة من مادة الرياضيات في واقع الحياة من خلال تطبيقاتها المتنوعة، ويبين مدى ارتباطها الوثيق مع كثير من العلوم التجريبية والتطبيقية؛ فهي أم لها - كما يقال-، ويجعل المتعلم يستنتج الإجابة ويكتشفها بنفسه، ويخلق لدى الطلاب جوا من التنافس الإيجابي الكبير. وهنالك إعداد لأركان جديدة؛ مثل: ركن التلفاز، وركن ورشة العمل التطبيقي، كما أنّه سيوسع خلال الفترة المقبلة بحول الله تعالى.

ولم يفت القائم على المعمل موضوع التعزيز بأنواعه المختلفة؛ فهو يستخدم بطاقات للتعزيز يقوم الطالب الفائز أو المنجز باختيار واحدة منها، ثم يقوم بإزالة الغطاء لينظر ما المكافأة التي سيحصل عليها، والتي تكون على شكل درجات أو عبارة تحفيزية أو لعبة علمية محسوسة أو إلكترونية. ويقوم المشرف ومن يساعده بتصوير وعمل لقاءات مع الطلاب المجيدين في المادة، ومع الطلاب المشاركين في إنتاج مشاريع ووسائل للمعمل، أو المشاركين في الحصص المتضمنة لاستخدام بعض الاستراتيجيات التدريسية ووسائل وأنشطة المعمل؛ تشجيعا لهم على مواصلة التألق والتميز والعطاء، ثم يقوم بنشرها على شكل صور وفيديوهات في الحسابات المتعلقة بالمعمل في مجموعة من مواقع وقنوات التواصل الاجتماعي.

ويجري المعمل مسابقة إلكترونية أسبوعية، خصصت لها جائزة تسلم في أثناء الطابور الصباحي، وفي هذا من التعزيز المادي والمعنوي والأثر النفسي الإيجابي ما لا يخفى. وأعد نفسي من محبي مادة الرياضيات، وكان التخصص الذي اخترته في الصف الأول الثانوي (العاشر) هو المسار العلمي - حسب التسمية السابقة؛ والبحتة حسب التسمية الحالية-، وكنت أستمتع بمادة الرياضيات كثيرا في المرحلة الثانوية - كما كانت تسمى- في الصفوف (10-12)، وتمنيت سابقا أن لو تخصصت فيها، وعند ما شاهدت هذا المعمل أبهرني بما تضمنه واحتواه، وقلت: ليتني عند دراستي للمادة في أثناء المرحلة المدرسية وجدت معشار ما يوجد في هذا المعمل!

وبتوفيق من الله -تعالى- يستمر تطوير هذا المعمل، والارتقاء به في سلم النجاحات المتصاعدة والإبداعات التي لا حدود لها؛ فهذه هي البداية، ولا بد من الوقوف على جوانب القوة؛ لتعزيزها، ولا بد من الوقوف -أيضا- على أولويات التطوير؛ لمعالجتها. وأشجع على مواصلة الاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية والعالمية في هذا المجال، وأقترح قبل تصميم أي وسيلة أن يتم التواصل مع الجهات الرائدة والأفراد المتخصصين في إنتاج الوسائل التعليمية؛ لتنتج هذه الوسيلة بأعلى معايير الجودة التي تحقق أقصى قدر من الأهداف التعليمية المصممة من أجلها، ويا حبذا لو كانت كل وسيلة متعددة الاستخدامات؛ لتخدم أكبر قدر من المواضيع، مع مراعاتها للجوانب الأخرى (التصميمية والنفسية والصحية والاجتماعية .. إلخ) التي يدركها أصحاب التخصص.

وأعجبتني الزيارات التي نفذها المشرفون التربويون والمعلمون الأوائل لمادة الرياضيات من ولايتي الخابورة والسويق ومجموعة من معلمي مدارس المحافظة وخارجها، وأرجو من المدارس الأخرى زيارة هذا المعمل؛ للاستفادة من هذه التجربة الرائدة، ونقلها، والبناء عليها، وتطويرها؛ ولذا فأطالب بتعميم فكرتها في مختلف المدارس بالسلطنة، مع الاحتفاظ بالحقوق والملكية الفكرية للمعمل الأول. وأرجو أن تكون هنالك زيارة مركزية عاجلة من قبل وزارة التربية والتعليم إلى هذا المعمل، وأن يقدم له الدعم المادي والمعنوي الذي يرتقي به وبفكرته.

ويحدوني عظيم الأمل أن تقوم الجهات الحكومية الأخرى والجهات الخاصة والأفراد بالوقوف مع هذا المعمل كل في مجاله، بما يستطيع، وبما يتاح ويتيسر له؛ دعما لأصحاب المبادرات الإبداعية التي تجعل التعلم أنموذجيا وميسرا وجاذبا، ويحقق الأهداف التربوية والتعليمية والتعلمية بجودة عالية جدا تساعد في تكوين المعرفة العلمية المتناسبة مع المستجدات، والمساعدة في التعاطي الإيجابي مع المستحدثات العصرية؛ بل والإسهام فيها وتطويرها، والحصول على الاقتصاد المعرفي الذي يعد من أقوى الاقتصادات في هذا الوقت؛ وبذا يساعد في تكوين جانب مهم من المواطن الصالح الذي ينفع نفسه وأهله ومجتمعه ووطنه وأمته؛ بل والبشرية جمعاء.

*المعلم الأول لمادة التربية الإسلامية بمدرسة الخوير للتعليم الأساسي (5-9)

تعليق عبر الفيس بوك