نادي فنجاء وفنجان حمد بن سلطان

أحمد السلماني

السادسة فجر الأربعاء عندما تلقيت رسالة نصية من صديقي الحميم حمود، تنبئ باليقين أنَّ والده حمد بن سلطان في ذمة الله، ولمن لا يعرف هذا الرجل فقط ما عليه سوى تقليب أقدم ملفات نادي فنجاء وأرشيفه، وسيُصدم أنَّ هذا الكهل كان أحد مؤسسي النادي العريق برفقة العراب خلفان بن ناصر، النادي ينتمي للقرية الصاخبة والمتسمَّي باسمها.. نعم.. ميلاد نادي فنجاء أحد أعرق وأقوى أندية السلطنة مرَّ برجال صدقوا ما عاهدوا أنفسهم عليه في جعله واحدا من أبرزها، بل لم يدُر في خلد واحد منهم أنهم بصدد صناعة ماركة خليجية وعربية مسجلة.

وترجَّل الفارس أخيرا وسلم الروح لباريها، تاركا وراءه إرثًا من قيم ومبادئ وإثل كثير من عصبية لأصفر الداخلية هذه الأخيرة التي ذابت اليوم وحل محلها العقود و"كم تدفع لي" فغاب الانتماء فأضحى التنافس بين الأندية اليوم بلا نكهة أو طعم وبلا قيمة تنافسية.

مواقف كثيرة لهذا الرجل في تعاطيه مع حياته الخاصة، وتلك التي رسمت علاقاته في محيط قريته الصاخبة وناديها العريق، فترجم حُبَّه لها في صياغة وصناعة اسم كبير رغم أن "فنجاء" قديمة الذكر، المواقف هذه دفعتني لأن أسجل هذه الكلمات للتاريخ، وما أكثر أولئك الذين سقطوا سهوا أو عمدا من حسابات التاريخ العماني رغم تضحياتهم، وغالبا ما يتذكر هؤلاء بعد رحيلهم، وصدق الحكيم حين قال: "مات جاري جوعا فذبحوا الخراف يوم عزاءه".

البداية كانت معرفتي بشخصية واحدة ولم يكد يمضي وقت يسير حتى تعرفت على الكثير منهم لا لشيء سوى أن بساطة ورحابة صدور أهل فنجاء والمستمدة من سجايا العمانيين، إنما هي ثقافة عامة وأخلاق وصفات توارثوها، وبالتالي فبطل قصتنا ليس استثناءً.

لم يتخلَّ هذا الرجل يومًا عن نادي فنجاء حتى إبان أزمته لعقدين من الزمان والسقوط المروع للنادي وغيابه عن منصات التتويج حتى عاد اليوم كرقم لوغاريتمي صعب محليا ولكنه سهل دوليا.

قبل 6 أعوام تقريبا، أُوكلت لي مهمة عمل تحقيقات صحفية عن الأندية وحالها فاتجهت إلى فنجاء؛ كونه حالة فريدة وقتها، الملك خارج حسابات الأرقام العمانية ويعيش في غياهب الجب وتراكم للغبار على الدروع والكؤوس وما أكثرها (8 ألقاب للدوري و9 للكأس، وواحد جُلب من المنامة تتويجا للقب خليجي هو أول لقب دولي للسلطنة في كرة القدم)، ذهبت إلى حيث يتدربون وحاورت الجميع لألمس حينها شيئا ما قادم للتغيير وللتأكيد على هذا الانطباع قُمت في اليوم التالي بزيارة للسوق وتحديدا لألتقي بمن تبقى من زمرة مؤسسيه ودون سابق موعد، كانت عرصة السوق هناك حيث لفنجان القهوة طعم خاص مع العم حمد وآخرين من جيله، وتحدثوا مليًّا عن التاريخ وأي تاريخ يا قوم، التأسيس ثم الانطلاقة القوية، وبعد ذلك استلم ابن سلطان حقبة السيد سامي -رحمة الله عليه- وقال: "إنني لم أشهد حضورا وجدية وتعاونا كتلك الفترة، كان يأتي نهاية الأسبوع من مسقط، ويوافيني في "طوي منصور"؛ لأنه يعرف أنني في المزرعة حيث أجني الرطب وأعمل حساب حضوره بوضع الدلة والفنجان ليرتشف الفنجان تلو الآخر حتى يرتوي من كل المعلومات التي يريدها عن استعدادات الفريق الكروي وجديته؛ حيث كان المعسكر صباحا ومساء، وكنت أنتظره الفجر بترامس الشاي لنذهب سويًّا لمعسكر الفريق، وكان يحدثني عن أن بوابة كرة القدم العمانية نحو الدولية ستمر من فنجاء، إلا أنَّ الأجل وافاه قبل بلوغ الأمل ليكمل المشوار أخوه السيد خالد ويعود لنا من المنامة بالبطولة الخليجية، وكم كانت فرحة فنجاء وبدبد، بل عمان قاطبة عميمة، بهذا الإنجاز. ولأنني أختزل من سر نادي فنجاء الكثير كان الناس فرحين جدا والمسيرات والعزائم تعمُّ فنجاء، إلا أنني كنت أستشعر أنها بداية النهاية، وبالفعل كنت شاهدا على العصر يوم أن تقاسمت باقي الأندية واستقطبت الجيل الذهبي للفريق ليذهب مع الريح، وها نحن نعيش ما يقارب العقدين من التوهان في الملاعب، ولكنني اليوم ألمس حراكا جميلا لأناس مخلصين سيعودون بفنجاء مجددا لماضيه وزمنه الجميل".. هذا كان خُلاصة ما جاد به العم حمد، وقد صدق حدسه ليعود فنجاء من الباب المحلي الكبير.

ومن مواقفه التي شهدتها بأم عيني كانت مواجهة الكأس الغالية بين الرستاق وفنجاء في نهاية تسعينيات القرن الفائت، وعانى يومها الأصفر كثيرا وبين الأشواط الإضافية استدعى الرجل 4 من اللاعبين ومدربهم التاج محجوب، وشد على قميص أحدهم حتى خيل لي أنه سيختنق، وقال: "إما أن تحسموا المباراة أو لن ترتدوا قميص السيد سامي مجددا"، وفاز فنجاء، وقبل ذلك ذهلت من التقدير الهائل لهذه الشخصية لدى جماهير وإدارة النادي حينها، وذات الحال وأكثر شاهدت لاعبي فنجاء وهم يقبلون رأس المغفور له بإذن الله الشيخ خلفان بن ناصر الهدابي المؤسس الحقيقي لفنجاء، والحقيقة أن هذا هو ديدن شباب فنجاء.

هذا على المستوى الرياضي، أما اجتماعيا فحضور الرجل يشهد له المجلس العام بحلة "طوي منصور"، والتي سعى فيها بمعية جيرانه لتفتتح يوم نعشه.. غفر الله للوالد حمد ولأموات المسلمين جميعا، وكل عشمي وأنا أسطر مقالي هذا أن يسير الخَلَف على نهج السَّلف، وأن يحافظ الأبناء على منجزات الآباء؛ وأهمها أنهم غراسهم وأن يبقى فنجاء كما كان على القمة منذ أن توِّج "ملك الأندية العمانية"؛ فمؤكد أنَّها إحدى وصايا الشيخ خلفان والوالد حمد.

تعليق عبر الفيس بوك