حاتم الطائي
إنَّ الحديثَ عن تفعيل دور القطاع الخاص، بمعزلٍ عن تبسيط وتسهيل الإجراءات، يظلُّ حديثا غير واقعي ويفتقر للموضوعية.
فمن المعروف بداهة أنَّ القطاعَ الخاص فيما لو أتيحت له البيئة المحفزة؛ والتي تتمثَّل أولى اشتراطاتها في تبسيط الإجراءات، لانطلق من تلقاء نفسه لتحقيق الأهداف الكبيرة المعقودة عليه، ولكن أن يكون مُكبَّلا بهذا الكم من القيود والبيروقراطية، فإنَّ ذلك يحد من قدرته على المبادرة والمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني، خاصَّة وأنَّ المرحلة تتطلب أن يتصدى قطاعٌ خاصٌّ قويٌّ وفاعلٌ للتحديات الناجمة عنها، وعلى وجه التحديد التحدي الأكبر المتمثل في خلق الوظائف للقوى العاملة الوطنية، التي تتزايد أعدادها يوما بعد آخر، في ظلِّ توقف دوران ماكينة التوظيف بالقطاع الحكومي نتيجة تشبعه. وهنا؛ نُعيد إلى الأذهان ما أكد عليه جلالة السلطان المعظم بالقول: "إنَّ الدولة بأجهزتها المدنية والأمنية والعسكرية ليس بمقدورها أنْ تظل المصدرَ الرئيسيَّ للتشغيل؛ فتلك طاقة لا تملكها، ومهمة لن تقوى على الاستمرار فيها إلى ما لا نهاية، وعلى المواطنين أن يدركوا أن القطاع الخاص هو المجال الحقيقي للتوظيف على المدى البعيد".
... إنَّ هذا التوجيه السامي واضحٌ وصريحٌ في أهمية اضطلاع القطاع الخاص بدور ريادي في خلق الوظائف، وكان من المفترض أن تتماهى الجهود الحكومية مع روح هذا التوجيه الكريم، لتحقيق البيئة المحفِّزة للأعمال، بما ينعكس على انتعاش القطاع الخاص، وازدهار أعماله بالصورة التي تفتح آفاقاً واسعة للتوظيف، وتشكِّل قيمة مُضافة لكافة أوجه الاقتصاد الوطني.
إنَّ الواقعَ يقول بأنَّ ثمة تعقيدات وبطءًا شديدًا يكتنف الإجراءات، ويطيل أمد إنهاء التراخيص المطلوبة -ومن جهات متعددة- لمباشرة أي نشاط تجاري أو مشروع اقتصادي. وهنا نتساءل بموضوعية: يا ترى، ما الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات تأسيس مصنع، أو إنشاء فندق أو جامعة أو مستشفى أو عيادة أو مركز تدريب؟
لا شكَّ أنَّ الوقتَ المطلوب لإتمام إجراءات هكذا مشاريع لا يُحسب بالأيام أو الشهور، وإنما يصل إلى سنوات وللأسف الشديد!.. ولا أقول هذا من باب المبالغة أو التهويل، وإنما من الواقع المعاش، وتشخيص معطياته المحسوسة.
ورَغْم أنَّها ليست المرة الأولى التي أتطرَّق فيها لهذه المعضلة، كما تناولها الكثيرون بالكتابة والشرح والتحليل، إلا أنَّ الحال لا تزال كما هي في هذه المسألة القديمة المتجدِّدة، والتي طال الانتظار لإيجاد حلول لها.
وقد يتساءل البعض: ما رؤيتكم لحلها؟ أقول ببساطة شديدة إنَّ الحلَّ يكمُن في مبادرة مُتكاملة لتنسيق الإجراءات والتراخيص تحت سقف واحد، فيما يُعرف بـ"المحطة الواحدة".. وهو نظام مُتعارف عليه، وقد سبقتنا إليه العديد من الدول؛ فلماذا لا نستفيد من تجارب الآخرين عندما تُثبت جدواها، بدلا من أن نراوح مكاننا في البيروقراطية والروتين الذي يستنزف الوقتَ والجهدَ، ويتسبَّب في إهدار موارد مُقدَّرة؟! خصوصا وأن للزمن قيمته في عالم المال والأعمال.
وهذا الإيقاع البطيء في الإنجاز لا تقتصر تأثيراته السلبية على قطاع الأعمال فحسب، بل تمتد لتشمل كافة المجالات الأخرى من بناء المنزل إلى إجراءات التقاضي!
ولابُدَّ هُنا من الإشارة إلى الجهود المبذولة من قبل وزارة التجارة والصناعة عبر برنامج "استثمر بسهولة"، إلا أنَّ العملَ التجاري يتطلَّب أكثر من الحصول على سجل تجاري حتى يقف المشروع على رجليه؛ لذا ينتظر الجميع -وبفارغ الصبر- أن يتطوَّر برنامج "استثمر بسهولة" ليبلغ مرحلة المحطة الواحدة لتجمع تحت سقفها كافة الصلاحيات: الترخيص للمشروع من كافة الجهات ذات العلاقة والتي يربو عددها على الخمس عشرة جهة، وجميعها ترتبط إجراءاتها عادة بكثرة المستندات والأوراق المطلوبة.
وتكفُل المحطة الواحدة إعطاءَ الصلاحيات للعاملين بالتوقيع على التراخيص، مادامت المعاملة مكتملة حسب المعايير المحددة سابقاً؛ مما يؤدي لتقليل التكلفة لكل معاملة، والحد من الترهل الوظيفي الذى تُعاني منه مُختلف الإدارات الحكومية. ومن هنا، تأتي أهمية التفعيل الحقيقي للحكومة الإلكترونية لمواجهة البطء في الإجراءات في مُختلف الدوائر الحكومية.
ومن المعروف أنَّ طبيعة المشاريع تتباين من مشروع لآخر؛ فهناك مشاريع يُمكن أن يتم الترخيص لها مبدئيًّا كسبا للوقت وتوفيرًا للموارد. كما أنَّ هناك مشاريعَ لا يضير فيما لو اختصرت إجراءات إنشائها على أن تكون هناك رقابة لاحقة لضمان استمرارية استيفاء الشروط من جهة، وعدم التسبُّب في تأخير و"تطفيش" المستثمرين من جهة أخرى.
ويستلزم تسهيل الإجراءات كذلك: إضفاء قدر من المرونة واللامركزية عليها، وهذا يكون بتفويض المديرين بهذه الصلاحيات، وألا تكون حكرًا على رأس الهرم الوظيفي في الجهة المعنية. فإنَّ لهذا انعكاسات إيجابية عديدة على بيئة العمل وجذب المزيد من الاستثمارات للاقتصاد الوطني.
وبصَدَد الحديث عن فاعلية الحكومة الإلكترونية، نودُّ الإشادة بالنجاحات التى تحققها شرطة عُمان السلطانية في تقديم خدماتها الإلكترونية بسرعة وكفاءة في جميع خدماتها، وهى تجربة ناجحة ينبغي على مختلف الإدارات أن تسترشد بها لتسريع الإنجاز وتبسيط الإجراءات.
... إنَّ تبسيطَ الإجراءات واختزالها أصبح مطلبًا حيويًّا، ليس فقط لبيئة الأعمال، ولكن لمختلف القطاعات؛ لتمكين القطاع الخاص وتعزيز تنافسيته؛ وبالتالي تدعيم قدرته على مواجهة الاستحقاقات الآنية والمستقبلية.