المرأة وخطاب الأقليَّة الإعلامي

رحاب أبو هوشر

تشغلُ المرأة وحقوقها حيِّزا واسعا من الاهتمام الإعلامي، والمفارقة أنَّ ذلك يترافق مع تراجع واضح ومؤسف لوضع المرأة في المجتمع؛ فلم تُجدِ برامج وندوات وتحقيقات وسائل الإعلام عن العنف ضد المرأة، في تقليص مساحاته، أو وقف الضرر الواقع عليها بفعله، ولم يغير الترويج لمشاركة المرأة في الحياة العامة شيئا ملموسا في ثقافة المجتمع الرافضة لدورها السياسي، ولم ترتفع نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة إلا بنسب طفيفة. وما نراه من وصول بعض النساء لمواقع سياسية واقتصادية متقدمة، ليس إلا ذرًّا للرماد في العيون، وفي أحسن حالاته فإنه يمثل حالات نخبوية محدودة، ولا يعكس حقيقة وضع المرأة في المجتمع، فواقع المرأة العربية لا يزال بالغ المرارة. إذن، هل هذا يعني كذب الادعاء بدور للإعلام، أم أنه يعني فشل رؤيته الراهنة في التغيير الاجتماعي؟

أصبحت المرأة "موضوعا" إعلاميا رائجا. وتجاوبا مع هذا المناخ، أصبحت أيضا ثيمة أثيرة للأعمال المسرحية والسينمائية، وبرزت في السنوات الأخيرة مهرجانات خاصة بأفلام المرأة، ونشطت الكتابة حول المرأة، من قبل كاتبات وكتّاب، يتنافسون في تناول ما تتعرض له من اضطهاد اجتماعي، واستلاب لحقوقها الإنسانية. وهو اهتمام انطلق منذ أكثر من عقد، مع انتشار برامج ونشاط مؤسسات دولية، تعنى بقضية "الجندر-نوع الجنس" في البلدان العربية، وما تبعه من تكثيف الاهتمام بالمرأة في وسائل الإعلام، وتخصيص البرامج الحوارية والندوات حول المرأة وحقوقها.

لكنَّ معظم ما قُدِّم إعلاميًّا، لم يذهب باتجاه تفكيك أزمة المرأة العربية، بتحليل ونقاش عميق، ومن ثم بناء وعي موضوعي وواقعي، للخروج بطروحات جذرية، تسهم في تغيير ثقافة المجتمع المناوئة لحقوقها، وبناء تصورات إمكانية ترجمتها على أرض الواقع لاحقا. وعندما نقول ثقافة المجتمع، فإننا بالضرورة نعني شقيه، المرأة والرجل، فالمرأة مكون من مكونات المجتمع، ولا يمكن فصل أزمتها عن أزمات المجتمع.

ولا يعمد الإعلام عادة إلى مناقشة قضية المرأة في مجالها الحيوي الاجتماعي والاقتصادي، بل يضعها في معتزل قصي، في تفتيت وتسطيح لمشهد النساء البائس، حين يتم اجتزاؤه من سياقاته، والالتفاف على الكثير مما تواجهه المرأة، خشية من مواجهة القوى الرافضة أو تحالفها معها، أو رغبة واستفادة من تكريس الواقع المحافظ. النساء المعنفات، تناقش قضيتهن إعلاميا، بوصفهن ضحايا مسكينات، فتك بهن رجال موتورن بظروف خاصة، إنه مجرد حادث! أو مشكلة ناتئة على سطح المجتمع، وليس باعتبار العنف الموجه ضد المرأة جزءا من ثقافة المجتمع، التي تخضع المرأة للرجل، وتمنحه كافة السلطات عليها بما فيها ممارسة العنف.

وفي جانب آخر، فإنَّ ثمة اهتماما إعلاميا ينصب في اتجاه واحد، وهو التركيز على مسائل فردية ويمكن أن ندعوها ترفيّة أيضاً، وفيما نقرأه لكتّاب وكاتبات أيضاً، نلحظ انهماكا بموضوع الجنس وحرية جسد المرأة، وهذا مهم، لو ارتكز إلى مشروع تحرري جدي وشامل، ولكن بعضهم لا يبدون الوعي الكافي عدا عن الحماس، لمناقشة قضايا أكثر مصيرية بالنسبة لشريحة واسعة من النساء العربيات، وأبرزها الفقر والقمع الأسري، والحروب والتشرد وغيرها. إن الهروب عبر تضخيم مثل تلك القضايا، أو إثارتها على حساب الأزمات الطاحنة، ما هو إلا تزييف للواقع، وتزوير لشروط ثقافية تاريخية، وإطلالة غير موفقة من الأبراج العالية، لمجموعة من المترفين والمترفات الذين/اللواتي لم يختبرون/يختبرن ما تقاسيه النساء! ولما يتمتع به الموضوع من إثارة؛ فلعل ذلك يكون أقصر الطرق لشهرة كاتبها أو كاتبتها، في مجتمعات تتنفس الكبت، ومفتاحها السري كلمة الجنس.

على أنَّ كلا الاتجاهين الإعلاميين، لا يخرج عن نطاق التواطؤ مع نظام المجتمع، فالأول المحافظ، حريص كل الحرص على إدامة قبضة النظام الأبوي، باستغفاله للمرأة، وادعائه الدفاع عن حقوقها، عبر ملامسة قشور معاناتها، وإدخال بعض الإصلاحات التجميلية، دون المساس بالبنية الأساسية لثقافة المجتمع؛ فيقدم لها كتابات صاخبة، وبرامج كرنفالية، تعلو فيها أصوات أركان النظام، وينتهي النقاش بعبارات إنشائية، تكرس تبعية المرأة، ونقصان أهليتها الإنسانية.

أمَّا الاتجاه الإعلامي الثاني (المتحرر) فيعيد إنتاج المرأة باعتبارها جسداً وموضوع جنس لا أكثر، مع إفراغ شخصيتها من أي محتوى فكري وثقافي، ليسهل عليه تمرير عدائه لمفاهيم المساواة والعدالة، والتي تكشفه مهاجمته لكل محاولة فكرية جادة وحقيقية لمقاربة موضوع المرأة، باعتبارها إنسانا قبل كل شيء، كما يلتقي مع المحافظين، بعدم الإيمان بشراكة المرأة سياسيا واقتصاديا وحتى إنسانيا، والإصرار على تصنيفها في خانة الأقلية أو الفئة الخاصة في المجتمع. حتى يكون للإعلام دور إيجابي وحقيقي تجاه قضية المرأة وحقوقها، عليه أن يرى فيها إنسانا ومواطنة، وأن يتخلى عن رؤيتها موضوعا إعلاميا وحسب.

تعليق عبر الفيس بوك