حاتم الطائي
لم تعد الدعوة إلى تطوير القطاع السياحي في السلطنة، وتعظيم مردوداته من باب الترف أو الكماليّات الاقتصاديّة؛ بل أضحت ضرورة، وحاجة مُلحة راهنًا ومستقبلا في ظل التراجع الحاد لأسعار النفط؛ مصدر الدخل الرئيسي الذي تعتمد عليه بلادنا وبنسبة تفوق الثمانين بالمائة..
وتمثل استضافة مجلس الشورى صباح اليوم لمعالي وزير السياحة لإلقاء بيان حول خطط وزارته للارتقاء بالقطاع، سانحة مواتية لوضع قطاع السياحة على طاولة البحث المعمق؛ لتعزيز إسهامه في الاقتصاد الوطني، خاصة أنّه ضمن القطاعات الخمسة الواعدة المستهدفة؛ لتنويع مصادر الدخل في الخطة الخمسية التاسعة، وفي الرؤية المستقبلية 2020.
إنّ الداعين لإسهام أكبر للسياحة في اقتصادنا الوطني، لا ينطلقون في ذلك من محض خيال، أو يطاردون سرابا و أوهامًا؛ بل يستندون إلى ما تتمتع به بلادنا من جملة مقوّمات ترشحها إلى أن يكون لها نصيب في كعكة السياحة العالمية، هذه الكعكة التي باتت العديد من الدول تسعى إلى أن تقضم منها بكميّات مقدرة لتدر على اقتصاداتها المليارات، يحدث ذلك رغم أنّ هذه الدول لا تتمتع بما حبا الله به السلطنة من جمال الطبيعة من تنوّع تضاريسي أخاذ؛ تتشكل مفرداته من سواحل ممتدة خلابة، وجبال شاهقة وأودية، مع ثراء في المواقع الأثرية التي تشكل مع جمال الطبيعة لوحة بديعة يندر أن يتكرر مثيل لها في أية بقعة أخرى من العالم..
ورغم كل هذا، نجد أنّ مساهمة القطاع السياحي الحالية في الناتج المحلي الإجمالي متواضعة للغاية ودون المأمول بكثير، ولا تتناسب مع الإمكانيّات السياحيّة لبلادنا.
وحتى ننهض بقطاعنا السياحي بالصورة المرجوة، ينبغي أن يكون تركيزنا على الإجابة عن التساؤل المركزي: إن كانت بلادنا تتوافر على كافة المقومات التي تؤهلها للريادة السياحية على مستوى المنطقة، فماذا ينقصها لتحقيق ذلك؟
ويتفرع عن ذلك السؤال المنطقي: كيف يمكن توظيف النجاحات النسبية التي حققها القطاع للتأسيس لانطلاقة شاملة بما يحقق الأهداف المرجوة منه؟
ولا شك أنّه وفي سبيل الإجابة المقنعة عن هذين السؤالين، ينبغي استصحاب حقائق الواقع - أي ما هو كائن فعليا - وما نستهدف الوصول إليه ضمن خطة مؤطرة زمنيًا..
ونتطلع إلى أن يحوي بيان الوزير أمام الشورى اليوم، خارطة طريق واضحة المعالم للنهوض بالقطاع لزيادة إسهامه في الناتج المحلي، من خلال خطط وبرامج بأهداف قابلة للقياس، مع طرح التحديات والمعوّقات بكل شفافية ووضوح بصورة تكفل تذليلها بالتنسيق والتعاون بين وزارة السياحة والجهات المعنيّة بتوفير الخدمات للسائح، الأمر الذي يمهد الانطلاقة السليمة لهذا القطاع ليحقق المأمول منه، وينتظر أن يسلط البيان الوزاري أضواء كاشفة على خطط التسويق والترويج السياحي باعتبار أنّها تلعب دورًا حيويًا في اجتذاب السياح من خلال التعريف بمكنونات السلطنة الجمالية، هذا عدا عمّا ينتظر من معاليه من إضاءة للجوانب الإيوائية والخدمية إضافة إلى تنمية الموارد البشريّة بالقطاع، علاوة على التشريعات المنظمة للاستثمار السياحي. وهنا نود الإشارة إلى الجهود الحكوميّة الحثيثة لإعادة هيكلة الاقتصاد، وجذب المزيد من الاستثمارات وتهيئة البيئة المناسبة أمام القطاع الخاص للاستثمار بهذا القطاع، تظل جهودًا بطيئة مقارنة بالمطلوب تحقيقه.
ومن المؤشرات الإيجابيّة التي تبعث على التفاؤل، ما تشير إليه الأرقام من تحقيق القطاع نموًا يقدر بـ 7% والوصول إلى مليوني سائح بنهاية العام قبل الماضى مما انعكس إيجابًا على ارتفاع نسبة الإشغال بالمنشآت الإيوائية ورفع الإيرادات بمعدل 10%..
إنّ اعتماد الاستراتيجيّة الوطنية للسياحة من قبل مجلس الوزراء ليبدأ سريانها مع بداية العام الحالي، يعتبر تطورًا مهما يؤمل أن ينعكس إيجابا على القطاع من خلال تفعيل دور القطاع الخاص وجذبه للاستثمار عبر تهيئة بيئة محفزة بما يكفل زيادة إسهام القطاع في الاقتصاد الوطني.
ومع هذه المؤشرات الإيجابية، ثمة تحديات تواجه تطوير السياحة على رأسها ضعف الاستثمارات في القطاع وقلة عدد المنشآت الإيوائية، حيث إنّ محافظة مسقط بأكملها لا توجد بها سوى 7 فنادق من فئة الخمس نجوم! وهذا يعتبر عددا قليلا، ويفسر غلاء أسعار الفنادق لدينا مقارنة بدول العالم، الأمر الذي يضعف من قدرتنا التنافسيّة في جذب السياح، وإن كنّا بالفعل نسعى لبناء صناعة سياحيّة مزدهرة ومستدامة، علينا مراعاة هذا الجانب وتنويع المرافق الإيوائية لتلائم كافة شرائح وفئات السياح..
ومن التحديات الماثلة كذلك، صعوبة وتعقيد إجراءات التراخيص المتعلقة بالاستثمار السياحي لتعدد جهات الاختصاص من البيئة إلى الإسكان والقوى العاملة وشرطة عمان السلطانيّة، وغيرها من جهات، حيث تستغرق المعاملة في كل منها فترة طويلة، الأمر الذي يكبّد المُستثمر خسائر مادية، ويجعل القطاع الخاص يجأر بالشكوى من البيروقراطيّة والروتين، ومن هنا وجب تبسيط الإجراءات وخلق بيئة جاذبة للاستثمار وتحقيق مطلب المحطة الواحدة لسرعة البت في التراخيص.
ومن التحديات المرتبطة بالتشغيل، اشتراط نسب تعمين في مجال الفندقة تصل إلى 35% عند بداية المشروع، وهي نسبة عالية وغير واقعية عند بدء التشغيل، بينما يمكن تحقيقها في السنة الثالثة من بدء العمل مثلا وليس من اليوم الأول، فالتدرج هو الطريقة المثلى لضمان التوازن في سير العمل وتحقيق التعمين.
وهناك تحدٍ آخر يتمثل في صعوبة حصول عدد من الجنسيّات على تأشيرات الدخول للسلطنة، وهذا بالفعل يعد تحديا ماثلا خاصة أنّ هناك تغيرات في الأسواق المصدرة للسياح، حيث لم يعد التركيز على السوق الأوربي وحده أمرًا كافياً وذلك لتراجع أعداد السياح القادمين من القارة العجوز باعتبار أنّ العديدين منهم يرون في الشرق الأوسط عمومًا منطقة تعج بالحروب والتوترات ويتوجهون إلى مناطق أخرى من العالم، وهذا يحتم علينا عدم إغفال الأسواق السياحية الواعدة ممثلة في الهند وروسيا والصين لاجتذاب السياح منها، ومن هنا وجب تعاون الجهات المختصة لتسهيل التأشيرات لسياح الأسواق الصاعدة لأننا في بيئة عالمية تنافسية تقدم الكثير من التسهيلات لجذب السياح.
ويبقى القول؛ إنّ التفعيل الحقيقي لقطاع السياحة، يتطلب المراجعة المستمرة للتشريعات والقوانين بما يخدم تحول القطاع إلى صناعة مزدهرة تساهم بفعالية في النمو الاقتصادي.