القضية أكبر من لقاء مكتبي مع الوزير!

د.عبدالله باحجاج

لماذا لم يلجأ أعضاء في مجلس الشورى إلى الوسائل والأدوات الرقابية البرلمانية الدستورية للتعاطي مع حادثة طريق فهود-عبرى، وفضَّلوا بديلا عنها وسيلة اللقاء المكتبي؟! هذه الوسيلة لا نزعم أنها غير قانونية، وأفضل ما يمكن أن نطلقه عليها أنها غير برلمانية، وأنها تدخل في منظور المشاورات الودية الخارجة شكلا ومضمونا عن الممارسات البرلمانية الدستورية التي سلاحاها المساءلة والمحاسبة، فلماذا تم القفز فوق الوسائل والأدوات البرلمانية، وفضل البعض لقاء معالي الوزير في مكتبه؟ ومن ثمَّ فهل حققوا بذلك نتائج أفضل من النتائج التي يفترض أن يحققوها عن طريق الوسائل والأدوات الدستورية؟

ولمَّا بحثنا عن السبب، وجدناه يكمُن في الضغوطات المجتمعية الكبيرة التي مُوْرِست على الأعضاء في مجلس الشورى عن محافظة ظفار بعد حادث فهود-عبري الذي راح ضحيته 18 شخصا وأصيب 16 آخرون، طالبين منهم التحرك العاجل مع وزارة النقل والاتصالات لفتح قضايا السفر البري غير الآمن، وعدم تكرار الحادثة المأساوية، فانقسموا إلى فريقين: الأول فضَّل اللقاء المكتبي كوسيلة مضمونة السرعة والنتيجة، حجتهم في ذلك: بيروقراطية الوسائل والأدوات، وإغراقها في آجال زمنية طويلة، والتحكم الحكومي فيها، وقد ذهبوا للقاء وبصحبتهم بعض أعضاء ينتمون لمحافظتين لهما علاقة مباشرة بطريق أدم-ثمريت، والطريق المتفرع عنه فهود-عبري.. فماذا كانت النتائج؟.. والثاني رَفَض الخيار المكتبي، وأصر على ممارسة الوسائل والأدوات البرلمانية المتاحة لهم مهما كانت النتائج، وقد ظل مُتمسكا بموقفه، لكنه ماذا فعل لكي ينتصر لممارسته البرلمانية؟ الفريقان وَضَعا نفسيهما في حسابات مُعقَّدة ومعرقلة للأداء البرلماني، ، وربما لم يكونا على وفاق من حيث المبدأ، وربما يكون كذلك طاغيا على البعض منهم هاجس النتائج السريعة إرضاءً للمجتمع؛ لذلك سيقبلان بأية نتائج، وهذا ما وجدناه في إصدار بيان من الوزارة عن اللقاء ونتائجه. والفريق الآخر، يبدو أنه اكتفي بتسجيل الموقف، وظل الأداء البرلماني لمجلس الشورى في عمومه عند هذين الخيارين في قضية كبيرة لا تحتمل الخلاف بشأنها، فكيف ينبغي أن ننظر لهذا الجدال، المحتكم فيه إلى ثلاث مسائل مهمة؛ الأولى: تكمن في جوهر وأصل الوسائل والأدوات الرقابية؛ فهى تعد أهم صلاحيات مجلس الشورى، وأكثرها أهمية من غيرها، وقد أعطي المشرع العماني مجلس الشورى ثمانية وسائل وادوات رقابية هى (طلب المناقشة، ولجنة تقصي الحقائق، والاستجواب، والبيان العاجل، وطلب الإحاطة، وإبداء الرغبة، ومناقشة البيانات الوزارية)؛ وذلك لمراقبة ومساءلة الأداء الحكومي، والثانية أن الأعضاء ينتخبون عبر صناديق الاقتراع السري على أساس ممارسة تلك الوسائل والأدوات للدفاع عن المصلحة العامة، وليس تجميدها والبحث عن وسائل بديلا عنها، والثالثة: أنَّ إنضاج وتطوير الوسائل والأدوات لن تكون الا عبر الممارسة كما هى مقننة ومنظمة رغم ما قد يُكْتَشف فيها من عيوب معرقلة لسرعة الأداء ومن ثمَّ تحصيل النتائج.. إذن، العمل البرلماني الدستوري يقتضي استخدام الوسائل والأدوات البرلمانية وليس عبر وسائل تغلب عليها الشخصنة؛ لأن القضية عامة وخطيرة. كما أنَّها تتعلق بشأن عام يحق لكل أعضاء مجلس الشورى المشاركة فيه، فطريق أدم-ثمريت وحتى الطريق المتفرع عنه فهود-عبري، شأن عام وليس خاصًّا بمحافظة أو محافظتين، وحتى لو كان كذلك فإنَّ إشراك كل أعضاء المجلس يكسر التحديات الفردية والجماعية، ويصهرها في بوتقة الوطنية، وهذا ما تتيحه لنا تلك الأدوات والوسائل البرلمانية لو مورست تحت القبة البرلمانية؛ فالمواطنة واحدة، وقد أصبح يجمعها حتى شارع داخلي في ولاية واحدة، فكيف بطريق إستراتيجي ثقيل بالحمولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟!

نسلم بوجود بيروقراطية قد تبطئ مسار الممارسة البرلمانية ابتداءً من مرحلة حق العضو طلب ممارسة الوسائل والأدوات داخل مجلس الشورى وانتهاء بموافقة الحكومة، وقد لا توافق بسرعة ؛ لأن القانون لا يلزمها بأجل زمني محدد للرد، وهذه ثغرة قانونية، والمثال الحديث الذي نقدمه كنموذج للبيروقراطية المعرقلة، طلب الإحاطة الذي قُدِّم لوزيرة التربية والتعليم بشأن حادثة احد الطلاب، فقد استغرق قرابة الشهر من وقت ما كشفه سعادة عضو المجلس لإحدى وسائل الإعلام المحلية، ولسنا ندرى هل جاءه الرد الآن أم لا يزال ينتظره! مما اضطر أعضاء من ظفار إلى مقابلة الوزيرة. هل الأعضاء هنا يمارسون العمل الديموقراطي أم في إطار العلاقات الودية؟ ربما تكون هذه التجربة هى التي دفعت بأعضاء بارزين في مجلس الشورى إلى عملية القفز فوق الأدوات والوسائل البرلمانية، ومن ثم لقاء وزير النقل والاتصالات. وكل ما نخشاه أن تترسَّخ هذه الممارسات غير البرلمانية وتكون بديلا عنها، وبذلك نفرغ جوهر العملية البرلمانية من محتواها، وهذا ما يَسْعى إليه بعض الوزراء تفاديا للمساءلة والمواجهة البرلمانية الجماعية؛ لذلك هم سيرحبون كثيرا باللقاءات الودية التي تغلب عليها المجاملات على الجدية، وربما يسعون إلى نجاحها حتى يسحبوا الأدوات والوسائل البرلمانية من الممارسة الفعلية، وفي هذه اللقاءات، لن نراهن كثيرا على نتائجها، فنتائجها ستكون دائما مثل لقاءات الشيوخ والأعيان مع الوزراء، ولهذا كنا نفضل ممارسة الوسائل والأدوات الرقابية رغم ذلك التسليم بالبيروقراطية والموقف الحكومي منها، لأننا نؤمن بالهوامش الإيجابية المتاحة لكل كائن بشري، فكيف بكيانات معنوية عامة أقسمت على الوفاء والإخلاص لله -عزَّ وجلَّ- وللوطن وللسلطان، فهامشها النقاش الإيجابي في حالة رفض الحكومة لطلب الإحالة أو الاستجواب.. وسيكون الرأي العام دائما مع هذا النقاش الإيجابي؛ مما قد يُشكِّل ضغطا قويا لتحريك الجمود، ويبدو أنَّ هذا كان غائبا عند الفريقين، أو أنهما لا يمتلكان أدوات النقاش الإيجابي، أو يقعان تحت هاجس التهدئة.. لكن: هل ينبغي أن يكون ذلك على حساب سلامة البشر على طرقاتنا؟ اعتبار طريق فهود-عبرى طريقا غير رئيسي، ويترك أن يكون بديلا ومفضلا لكل أنواع المركبات للوصول للإمارات، دون أن ندرس مسبقا وسائل السلامة فيه أو تطويرها، ينبغي أن نتوقع حدوث الكوارث عليه. وبالتالي؛ علينا توقعها في أية لحظة، وتحويل ازدواجية أدم-ثمريت إلى مجموعة حزم؛ فمتى سيتم الانتهاء منه؟ ومن ثمَّ: هل ينبغي أنْ لا نتوقع كوارث عليه؟ القضية أكبر من أن تناقش في مكتب معالي الوزير.. إنها قضية وطنية جديرة بمناقشتها تحت قبة برلمان عُمان.

تعليق عبر الفيس بوك