الثلاثاء الأسود...!

سيف المعمري

مع ساعات الصباح الأولى من يوم الثلاثاء، الأول من مارس الجاري، استيقظت السلطنة على خبر انفطرت منه القلوب حزنا بوقوع الحادث الأليم على طريق (عبري-فهود) بتصادم حافلة ركاب مع شاحنة، ومن ثم اصطدام مركبة خفيفة بحطام الحادث، والذي أسفر عن وفاة 18 شخصا، جلهم عُمانيون وآخرون من جنسيات آخرى، إضافة إلى إصابة 16 شخصا.

وقد قرأتُ ما تداولته وسائل الإعلام الاجتماعي وما كتب من مقالات صحفية حول هول الفاجعة التي خيَّمت ليس على أبناء المحافظة فقط، بل وعلى كافة محافظات السلطنة، وقد كتب الأستاذ القدير الدكتور عبدالله باحجاج مقاله بجريدة "الرؤية" بعنوان "الليلة الحزينة لن تكون الأخيرة"! فيما جاء مقال الاستاذ القدير مسعود الحمداني بعنوان: "الثلاثاء الدامي.."، ورغم أن المقالين اختزلا مشاهد وآلام ذلك "اليوم الأسود"، إلا أنني لم أجد لنفسي عذرا في كتابة مقالي هذا للوقوف على عدد من النقاط، والتي يمكن أن تكون دروسًا مستفادة من ذلك اليوم الآليم.

وأوَّل تلك الدروس هو عدد الوفيات والإصابات والبالغ 34، ومن جهة أخرى هو رقم لا يمكن أن يكون عابرا في أذهان المسؤولين وصناع القرار ولعدد من الجهات، وقد جاءت خطوة مجلس الشورى فورية من خلال لقاء سعادة محمد بن أبو بكر الغساني نائب رئيس مجلس الشورى وأعضاء المجلس بمعالي الدكتور أحمد بن محمد الفطيسي وزير النقل والاتصالات، ونحن على ثقة بأن معاليه على يقين بحاجة عدد من الطرق الرئيسية الحيوية في السلطنة لتعزيز وسائل السلامة الآمنة، لكنْ هناك تقصير واضح في تلك الوسائل بعدد من الطرق الحيوية رغم تكرار المشاهد الأليمة للحوادث والوفيات والإصابات الناتجة عنها، فمثلا طريق (عبري- فهود- عويفية- قارة الملح) والذي يمتد لمسافة 214 كيلومترا يعد من الطرق التي تشهد حركة نشطة جدا طوال العام، رغم أنه ليس من الطرق الرئيسية في تصنيف الطرق البرية بالسلطنة بسبب كثرة مستخدمي الطريق من وإلى محافظة ظفار؛ حيث تسلكه الشاحنات المقطورة وشاحنات نقل البضائع القادمة من خارج السلطنة وحافلات ركاب النقل العام، إضافة إلى المعدات الثقيلة العاملة في مناطق الامتياز في فهود وما جاورها، وتتضاعف الحركة المرورية فيه خلال فترة الخريف بمحافظة ظفار؛ حيث يسلك الطريق السياح، خاصة القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي والمواطنين من محافظات البريمي والظاهرة وشمال وجنوب الباطنة، علاوة على ذلك فإن الطريق (عبري-فهود) ستتضاعف الحركة المرورية عليه مستقبلا بعد أن يتم افتتاح منفذ الربع الخالي مع المملكة العربية السعودية الشقيقة؛ حيث يربط السلطنة عبر ولاية عبري بالمملكة؛ وسيكون الطريق الجديد مقصدا للمواطنين القادمين والذاهبين إلى المملكة ودول الخليج العربي خاصة حافلات نقال الحجاج والمستعمرين وكذلك شاحنات نقل البضائع.

والدرس الثاني أنَّ جميع لافتات تحديد السرعة على طرقات السلطنة الرئيسية والفرعية لا تفرق بين سرعات المركبات الخفيفة والشاحنات والحافلات ونحوها؛ فمثلا السرعة المحددة في طرقنا هي 120 كيلومترا في الساعة دون تحديد لأي نوع من وسائل النقل، بينما نجد في دول الجوار مثلا أن لافتات تحديد السرعة وخاصة في الطرق السريعة توجد عليها تحديد للسرعة القصوى للمركبات الخفيفة وبنفس اللافتة السرعة القصوى للشاحنات والحافلات، كذلك لا نجد طرقا خاصة بالشاحنات والمعدات الثقيلة، خاصة في الأماكن التي تكثر فيها المشاريع الكبيرة الثابتة كالمحاجر والكسارات ومناطق التنقيب عن النفط ونحوها.

والدرس الثالث يتعلق بشركات النقل العام وأصحاب حافلات نقل الركاب، خاصة في الخطوط الطويلة كحافلات المعتمرين والحجاج؛ فلا يوجد تشريع يلزم أصحاب الحافلات بتناوب سائقين في سياقة الحافلة أو برنامج محدد للتوقف للاستراحة وتناول الوجبات وأداء الصلوات؛ وبالتالي الأمر متروك حسب تقدير أصحاب الحافلات والذين في كثير من الأوقات لا يراعون سوى مصلحتهم الشخصية حيث يتعللون دائما بكسب الوقت والرغبة للوصول المبكر، وقد كانت لي تجارب شخصية معهم.

لذا.. على جهات الاختصاص في السلطنة أن تعتبر فاجعة "الثلاثاء الأسود" نقطة تحول لتنظيم النقل العام، ووضع ضوابط رادعة للمخالفين، وتهيئة الطرق بمواصفات السلامة الآمنة، لينعم مستخدمي طرقنا بالطمأنينة والسكينة والوصول الآمن إلى أهلهم وذويهم، ونسأل الله للمتوفين الرحمة والمغفرة، ولذويهم الصبر والسوان، وإنا لله إنا إليه راجعون.

saif5900@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك