الاقتصاد الأخضر

علي بن سالم كفيتان

إنَّ الخيارات البشرية خلال القرن الماضي رجَّحت كِفَّة ما يعرف باقتصاد السوق (الاستهلاكي البحت) على حساب كفة الاستدامة مما ولَّد الكثيرَ من الظواهر التي باتت تعصف بمستقبل الإنسان على هذا الكون؛ ففي الوقت الذي كنا نبحث فيه عن حياة على كواكب أخرى، عملنا -وبشكل منظم- على تدمير بواعث الحياة على كوكبنا، وكان ذلك مبعثَ سخرية عند بعض المنظرين والفلاسفة في القرن الماضي.

لا شك أنَّ الثورة الاقتصادية ولدت طفرة معرفية كبيرة وسهلت الكثير من سبل التواصل بين البشر على هذا الكوكب، كما أنها منحت الإنسان فرصة اختصار الزمن، ولكن الوسيلة التي نهجها كانت لها تبعات غير محمودة العواقب فالإنسان عقب تلك الفسحة التي استمرت حوالي قرن يعاني اليوم على كوكبه الأم (الأرض) من جراء ما اقترفه من أخطاء التي دمرت الكثير من فرص البقاء وجلبت عليه ويلات الطبيعة.

وفي خضم تلك الأزمة، رجع بعض العقلاء إلى رُشدهم، وقالوا لا سبيل لنا إلا التصالح مع كوكب الأرض؛ لأنَّ المركبات الفضائية لم تعطِ أملًا بوجود بديل آخر في المجرة الشمسية، وهنا ولد مصطلح "الاقتصاد الأخضر" الذي يعرف أنه "الاقتصاد الذي يعتمد على نسبة قليلة من الكربون ويتم فيه استخدام المواد بكفاءة"، أو بلغة أخرى هو اقتصاد يؤدي إلى تحسين حالة الرفاهية البشرية، والانصاف الاجتماعي، مع الحد من المخاطر البيئية وحالات الشح الأيكولوجي.

... إنَّ التحوُّل إلى التنمية الخضراء عملية طويلة وشاقة يجب أن توجهها نظرة سياسية من الأعلى إلى القاعدة مع وجود مشاركة جماهيرية فاعلة من القاعدة إلى القمة، هذه المعادلة تدفع الإرادة السياسية للبحث عن بديل ناجح للتنمية وضمان المشاركة المجتمعية على نطاق واسع لجعل هذا التحول حقيقة على أرض الواقع.

إنَّ هذا التحوُّل من شأنه أن يخلق ضرائب جديدة، وهذا ما لا يبحث عنه البشر فهم تعوَّدوا على التمتع بالخدمات التي تقدمها النظم البيئية بأقل كم من الضرائب، وهذا هو النمط السائد حالياً؛ فالكائن البشري الحالي أحب الانتهازية واقتناص الفرص دون دفع المقابل غير المرئي لما يستنزفه بجشع من الموارد الاقتصادية للأرض. إن تطبيق التنمية الخضراء سيعمل على الأمد المتوسط على رفع دخل الفرد وتقليل البصمة البيئية بنسبة 5% في العام 2050 مقارنة بنهج العمل الحالي.

إنَّ مُتطلبات التحول إلى الاقتصاد الأخضر تتمثل في وجود مراجعة حقيقية لسياسات الحكومات وإعادة توجيهها لتحفيز التحول في أنماط الإنتاج والاستهلاك والاستثمار، مع وجوب منح المزيد من الاهتمام للتنمية الريفية بهدف الحد من الفقر في الريف مع زيادة الموارد والتركيز على قطاع المياه وضبط استخداماته ومنع تلويثه والعمل على تنمية وتطوير الاستثمارات المستدامة في مجال الطاقة ورفع كفاءة الطاقة، مع ضرورة وضع إستراتيجيات لتخفيض الكربون الصادر من التنمية الصناعية عبر الاعتماد على الإنتاج الأكثر كفاءة في المصانع الجديدة، ويجب أن يواءم ذلك كله مع دعم كفاءة قطاعات رئيسية كالنقل، وتبني أنظمة لتصنيف الأراضي واعتماد المعايير البيئية في هذا الشأن، مع وجوب التصدي لمشكلة النفايات البلدية بمختلف أنواعها واستثمارها بما هو مفيد وصديق للبيئة.

... إنَّ الجدوى الاقتصادية من هذا التحوُّل ستنعكس على كل المجالات؛ فقد أوضح تقرير "الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير"، والذي يعتبر خلاصة المؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية عام 2011، أوضح هذا التقرير أن خفض دعم أسعار الطاقة في المنطقة العربية بنسبة 25% سيوفر 100 بليون دولار خلال ثلاث سنوات فقط؛ بحيث يمكن توظيف هذا المبلغ في مجال التحول إلى التنمية الخضراء، ويشير التقرير إلى أنه في حالة تخضير 50% من قطاع النقل في العالم العربي نتيجة هذا الخفض وزيادة استعمال النقل العام الأخضر والسيارات الهجينة (هايبريد)، سيوفر ما يقارب الـ20% من الأبنية القائمة الصديقة للبيئة خلال عشر سنوات مع توفير أربعة ملايين فرصة عمل.

هذا هو خيار المستقبل وخيار البقاء الآمن على هذا الكوكب بعد عناية ورعاية الله سبحانه وتعالى.. فهل نحن جاهزون لهذا التحدي القادم لا محالة؟! أتمنى أن تكون الإجابة نعم.

حفظ الله عمان وحفظ جلالة السلطان.

alikafetan@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك