حصيلتي من الملاحظات

أسماء القطيبية

انتهى معرض الكتاب في مسقط هذه السنة بعناوينه وزحامه وفعالياته، تاركًا القُراء يستمتعون بما لذَّ وطاب لهم من كُتب اقتنوها منه، لمدة عام كامل، قبل أن يعود من جديد بكتب وفعاليات جديدة. كان الحضور كثيفًا طوال أيام المعرض لرجال ونساء وأطفال من مختلف الأعمار، وحتى أولئك الذين لم يتمكنوا من الحضور بأنفسهم لم يعدموا طريقة للحصول على بغيتهم من الكتب عن طريق المعارف والمجموعات التي تقدم خدمة التوصيل من المعرض إلى كافة محافظات السلطنة. ظهرت مُبادرات تطوعية وتثقيفية جميلة، وتم إحياء بعض المبادرات السابقة كمبادرة معاوية لدعم الطالب. وفي هذه السنة سيُلاحظ الزائر السنوي للمعرض تخلف دور نشر عديدة عن التواجد؛ بسبب الظروف السياسية التي تشهدها بلدانهم. وأما الأمر الذي لابد من ذكره عند ذكر معرض الكتاب 2016 فهو أن مقص الرقيب كان أكثر تفهمًا ورأفه بالمقارنة بالسنوات الماضية.

قائمة الكتب الأكثر بحثاً في محرك البحث الخاص بمعرض مسقط للكتاب احتوت على كُتب منوعة، العشرون الأولى منها تضم روايتين فقط بينما الستة عشر الباقية تتنوع بين كتب دينية وفكرية بالإضافة لموسوعة لقصص الأطفال. ومن خلال هذه القائمة -التي من المحتمل أن تكون الكتب فيها هي الأكثر شراء- يمكننا أن نستشف نوعية الكتب التي تجذب القارئ العماني. فالملاحظة الأولى هي أن الكتب الأكثر بحثًا كانت في غالبها كُتب تناقش مواضيع اجتماعية ودينية بلغة واضحة، بعيدًا عن الحشو والإسهاب، فمثلاً ليس من ضمن هذه القائمة أيّ موسوعة أو كتاب لأحد أعلام الدين أو رجالات الفكر البارزين عبر التاريخ، وإنما كتب لمعاصرين لهم حضور إعلامي، ونشاط في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقوم هؤلاء الكتاب بالترويج لإصداراتهم عبر هذه المواقع لآلاف المتابعين. ويقوم بعضهم بنقل شهادات القراء حوله مما يُحفز الآخرين على اقتنائه. أما الروايتان من ضمن قائمة الكتب العشرين الأكثر بحثًا فهي روايات ذات محتوى أدبي وموضوعي ممتاز إذا ما قارناها بالروايات الأكثر رواجًا في معارض الكتب في دول أخرى. فهي ليست من نوعية تلك الروايات الركيكة اللغة والمغرقة في العاطفة. كما أنها من الروايات التي تعد بالمتعة والفائدة، وتطرح الأسئلة حول مواضيع مُهمة. هذه الاختيارات العشرين الأولى برأيي تعد مؤشرا إيجابيا على وعي القارئ العماني وجديته في البحث عن المعرفة.

البحث عن موسوعة قصص للأطفال ضمن الكتب الأكثر بحثاً هذه السنة كما يتبين من محرك البحث الخاص بمعرض الكتاب. أما في المعرض فقد كان بحث الأسر عن كتب الأطفال بحثًا دؤوبًا، حيث تراهم يتنقلون من دار لأخرى يسألون ويستفسرون ويقلبون الكتب. خاصة مع وجود خيارات واسعة من الكتب والألعاب التعليمية التي توفرها بعض الدور المتخصصة.

وإذا ما سألت عزيزي القارئ عن سبب انتشار كُتب بعينها بين الناس رغم وجود آلاف العناوين فأنا أعتقد أن السبب هو أنا وأنت. فما يحدث أننا نقترح لبعضنا البعض ذات الكتب، وبالتالي فإننا نقرأ الكتب نفسها. إننا لا نرغب في المخاطرة بأخذ كتب لكُتاب لا نعرفهم، وبالتالي نقرأ الكتب المضمونة والتي نملك خلفية جيدة عنها، وهو وإن كان أمرا جيدا فإنه يحرمنا من التعرف على كتاب آخرين وكتب ربما تكون أكثر تشويقاً وفائدة، وأنا اعتقد أنّ على القارئ في فترة من فتراته أن يكف عن قراءة الكتب المقترحة فحسب بل أن يجتهد قليلاً ليبحث عن المعرفة في عناوين جديدة، أو أن يكون أكثر وعيًا بما يستميله من كتب فبالتالي يوجه تركيزه في الحصول عليها. وحقيقة أنا من الأشخاص الذين يرتبكون إذا ما طلب أحدهم أن اقترح له عنواناً لكتاب، خاصة إذا لم أكن على معرفة بالشخص واهتماماته ومستواه المعرفي. فاقتراح كتاب يعني تقليص الخيارات الواسعة في رأي شخصي حول كتاب قد لا يعجب قارئ آخر.

من المشاهد التي ساءتني في معرض الكتاب هو أن بعض الزوار يتجمهرون عند جلسات التوقيع للحصول على توقيع للكتاب دون أن تكون لديهم خلفية عن نوعية الكتب الموقعة أكانت أدبية أم فكرية أم غيرها، ولعلهم بذلك يبتغون تشجيع الكاتب، أو ينشدون شيئاً من التميز، أو ربما أنّهم يسعون للحصول على التوقيع لأجل المباهاة. هذا المشهد تكرر كثيراً، حيث ما إنّ يحضر الكاتب لتوقيع كتابه حتى تنفذ النسخ بسرعة البرق، رغم أنّ الكتاب معروض منذ بداية المعرض. وهو أمر إن كان يثلج صدر الكاتب فهو يدفعني في كل مرة للتساؤل أكان أولئك القراء ينشدون الكتاب أم التوقيع؟.

asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك