التحديات المحدقة بالوجود الإسلامي في الغرب (4-4)

د. يحيى أبوزكريا

الذي حدث أنّ الكثير من الراغبين في الثراء السريع والحصول على الرزق غير المشروع اتخذوا من الجمعيات الإسلامية والمعاهد وحتى المدارس الإسلامية وسيلة للسرقة غير المشروعة والاستيلاء على هذه المبالغ بحيل مختلفة، وقد حدث في السويد أنّ الكثير من الاتحادات الإسلامية تتلقى دعمًا حكوميًا كبيرًا ومساعدات مالية جبارة من دول خليجية وتوزع هذه الموارد على أعضاء هذه الجمعية أو تلك حيث يتفق أعضاء هذه الجمعية على تدوير المناصب بينهم ويقررون لأنفسهم رواتب خيالية تصل إلى أربعة آلاف دولار من المُساعدات الحكومية السويدية والمساعدات الخليجية ويصرف هؤلاء الأعضاء على هواتفهم وأمورهم الخاصة من أموال هذه الموارد كما حدث مع جمعية إسلامية في العاصمة السويدية ستوكهولم حيث كانت مصاريف أعضاء هذه الجمعية في مجال اتصالاتهم الهاتفية الشخصية أزيد من 15 ألف دولار وهو مبلغ كفيل بإنتاج ما يُفيد الجالية المسلمة في السويد. وقد حدث أن سجن مدير مدرسة إسلامية في السويد بسبب اختلاسه مبلغ كبير من المال العام الذي هو عبارة عن مساعدة حكومية للمدرسة الإسلامية قدرته مصلحة الضرائب السويدية بحدود مليون كرونة سويدية أي ما يُعادل 120 ألف دولار أمريكي وسجن مدير المدرسة الإسلامية ثمانية أشهر كاملة لأنّه رفض تسديد المبلغ وإعادته، الأمر الذي لوثّ سمعة هذه المدرسة الإسلامية وغيرها من المدارس الإسلامية في السويد في المجال الإعلامي والسياسي، وعندما تكررّت قضايا اختلاس الأموال العامة قررت وزارة التربية السويدية التشديد في منح التراخيص للمدارس الإسلامية .

وللإشارة فإنّ الكثير من أصحاب الجمعيات الإسلامية والمدارس الإسلامية فتحوا مشاريع تجارية خاصة بهم في السويد وخارجها وهو الأمر الذي جعل العديد من النّاس يستنكفون الانضمام إلى هذه الجمعية الإسلامية، فالرابطة الإسلامية في ستوكهولم على سبيل المثال عدد المشتركين فيها بين 12 - 150 عضوًا فقط علما أنّ عدد المسلمين في السويد تجاوز نصف المليون . وهذه المساعدات الحكومية والخارجية لهذه الجمعيات أضرت إلى أبعد مدى حيث جعلت هذه الجمعيات تتكاثر بشكل مذهل، وقد وصل عدد الجمعيات الإسلامية في السويد إلى 150 جمعية إسلامية تفتقد إلى العمل الوحدوي وتوحيد الإستراتيجية فيما بينها، بل أصبحت عرضة للاتهامات المتبادلة وهو الأمر الذي أضعف العمل الإسلامي والدعوى إلى أبعد مدى، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ بعض الجمعيات أخذت الطابع المذهبي وأخرى لبست ثوب الانتماء القومي المقيت، فصار للأتراك جمعيتهم والبوسنيون جمعيتهم والعراقيون جمعيتهم وقد عجز الذين نصبوا أنفسهم قيمين على العمل الإسلامي عن توحيد الصف الإسلامي بسبب عدم نظافة يدهم وعدم وجود مؤهلات علمية وفكرية لديهم فالكثير منهم لم يكمل تعليمه التوجيهي والثانوي وهي محنة يُعاني منها كثيرًا العمل الإسلامي في السويد وغيرها . وهذا العدد الكبير في الجمعيات الإسلامية في السويد يقابله جمعية يهودية واحدة تتمتّع بفاعلية شديدة وتأثير فعّال على المشهد السياسي والإعلامي وحتى الثقافي في السويد . ومن الصعوبة بمكان إحصاء عدد كل الجمعيات الإسلامية في السويد غير أنّ أشهرها اتحاد الجمعيات الإسلامية والذي يضم العديد من الجمعيات الإسلامية، مع العلم أنّ بعض الجمعيات الإسلامية هي وهمية وورقية لكي يحصل أصحابها على مساعدات إضافية من الحكومة والبلديات .
عندما يشرّح الباحث مفردات الخطاب العربي والإسلامي يجد أنّ هذا الخطاب في معظم أبعاده يحمّل الآخر وتحديدا الغرب والحركة الصهيونية وغيرهما مسؤولية تراجعنا الحضاري.
ولعلّي اتَّفق مع الأستاذ مالك بن نبي الذي يرى أنّ العوامل الداخلية هي التي أجهضت نهضتنا وأنّ العوامل الخارجيّة استثمرت هذه العوامل الداخلية واستغلتها لصالحها.
وقد حضرت ذات يوم محاضرة دينية في مسجد يقع في دولة غربية وكان المحاضر قادمًا من العالم الإسلامي ولم يحمّل نفسه عناء قراءة الواقع الذي جاء إليه ليدعو الناس فيه إلى الطريق القويم، وتعامل مع الواقع كما لو أنّه يقع في الجغرافيا العربية أو الإسلامية، ومما قاله هذا المحاضر بالحرف الواحد وبدون نقيصة من كلامه:
أيها المُسلمون المُقيمون في الغرب احذروا الكفّار الذين تعيشون بين ظهرانيهم، فهم يسعون لإخراجكم من النور إلى الظلمات، ولن يهنأ لهم بال حتى يحيلونكم إلى كفرة!
وباعتباري لا أحب الدجل الفكري، فقد قطعت محاضرته وقلت له: يا فضيلة الشيخ قبل أن تصدر هذا الحكم اسأل كل جمهرة المسلمين الحاضرين هاهنا من يعيلهم! من يقدم لهم رواتب شهرية تجعلهم أحسن من وزراء بلادهم! من أعطاهم بيوتات تقيهم البرد والحرّ ودون أن يدفعوا دولارًا واحداً كإيجار! من يطببهم مجاناً! من يُصلّح أسنانهم إذا تسوسّت! من يعطي رواتب لهم ولأولادهم وبشكل شهري ودائم!.
وأخذت أعددّ الحسنات والخدمات التي تقدمها مؤسسات الرعاية الاجتماعية في كثير من الدول الغربية وتحديدًا في دول شمال العالم للعرب والمسلمين، ثمّ قلت له يا فضيلة الأستاذ من المسلم: نحن أم الفرنجة!
إنّ أغلب المسلمين في الغرب يعيشون بفضل المساعدات الاجتماعية ولعلمك يا جناب الشيخ فإنّ هذه المساعدات تجبيها مصلحة الضرائب من المُقتدرين ماديّا من العمال والموظفين الغربيين الذين يدفعون الضرائب ليذهب جزء منها إلى مساعدة كل هؤلاء الحضور بين يديك من المسلمين .
ثمّ قلت له: تتهم الفرنجة بالكفر فأنّا سأصطحبك في جولة في هذه المدينة الغربيّة التي أنت فيها، ستجد أن كثيرًا من الحانات والمراقص يملكها مُسلمون، وكثيرًا من محلات الخمور والمجلات الخلاعية وبيع لحوم الخنزير يملكها مسلمون. بالإضافة إلى ذلك فقد علمنا هؤلاء الغربيين الكذب والدجل وتحايلنا عليهم وضحكنا على كل مؤسساتهم والملفات ثقيلة لا يمكن فتحها دفعة واحدة، وهنا قال لي المحاضر: أعتذر لتسرّعي في الحكم وأتمنى أن تكمل المحاضرة نيابة عني!.
ما دفعني إلى هذه المُقدمة هو حجم الاستهانة بقيم الإسلام من قبل المسلمين أنفسهم في الغرب، إلى درجة أنّ الإنسان الغربي والمؤسسات الغربية باتت لا تفرّق بين المسلم الملتزم بقيم دينه والمسلم الذي ينتمي إلى الإسلام شكلًا ويتجافى عنه سلوكًا وأخلاقًا.
وفي هذا السيّاق يشار إلى أنّ شرطيا سويديّا أوقف في يوم من الأيام سائقاً مسلمًا لإجراء فحص التأكد من عدم شربه للخمر وهو يقود سيارته، فقال هذا السائق المسلم للشرطي السويدي: أنا مسلم، فأجابه هذا الشرطي السويدي بقوله: لقد قالها غيرك كثير قبل هذا وكانت بطونهم مليئة بمختلف أنواع الخمور.
لقد أساء بعض المُسلمين في الغرب إلى دينهم أكثر مما أساءت إليه المنظمات المتخصصّة في نحر الإسلام، على اعتبار أنّ أهداف هذه المنظمات واضحة ومكشوفة، لكن المسلم عندما يقترف جناية في الغرب تنسب رأساً إلى الإسلام، ويعتبرها الإنسان الغربي جزءًا من تعاليم الإسلام، والمستشرقون الذين تركوا انطباعا خاطئا عن الإسلام في الذهنية الغربية، جاء الكثير من المسلمين إلى الغرب وأكدوا هذا الانطباع باعتبار أنّ سيرة المسلم تحسب على الإسلام لأنّ الإنسان الغربي ليس فقيهاً في كليات وجزئيات الثقافة الفقهية الإسلامية.
ويتباهى بعض المسلمين في الغرب فيما بينهم عندما يلتقون بعدد القاصرات اللائي صرن ثيبّات بفضلهم وربمّا لأجل ذلك قام موقع إلكتروني سويدي موالٍ لجهة سياسية سويدية مُعادية للمهاجرين بمطالبة السلطات بطرد الذين جاءوا لاغتصاب نسوة السويد، وقد حزّ في قلبي أن أسمع هذا التباهي من شباب يدعون الانتماء مظهرا الى الاسلام بينما اعمالهم تدل على عكس ذلك .

هذا غير الضحك على الدول الغربية بأساليب مخجلة، فربّ مسلم اقترض من بنك غربي مبلغاً خيالياً لاستثماره في مشروع تجاري اختلس هذا المبلغ وأودعه في بنك خاص في وطنه العربي وبعد ذلك أعلن إفلاسه، وهذه الأمور ليست خاصة بل صارت عامة وفاحت رائحتها النتنة، والعجيب أن الذين يعلنون إفلاسهم زورًا وبهتانًا، يعيدون فتح نفس المشاريع بأسماء زوجاتهم وأقاربهم باعتبار أنّ هذه الأسماء غير ملوثّة بعد .
وقد نشبت الصراعات حتى في المساجد بين مسيريها والمرتزقين منها، حتى تدخلت الشرطة الغربية في أكثر من مسجد بعد أن تبادل مسيرو المساجد التهديدات الأمر الذي تطلبّ إحضار الشرطة لفك الخصام، وقد كنت على رأس لجنة وساطة في مسجد من هذه المساجد والتي رغم تدخل الوجهاء فإنّ الخلافات لم تنته، وكم كان بليغًا وفصيحاً ذلك القاضي السويدي الذي قال للمختلفين: شئتم أو أبيتم عليكم أن تتفقوا لأنّكم يجب أن تلتقوا في بيت الله بمحبة ومودة.
ولو وسعتنا هذه العجالة لذكرنا قصصاً يشيب لها الولدان، ولكن بعدها ألا يحق لنا أن نوجّه أصابع الاتّهام إلى المسلمين الذين جنوا على إسلامهم وحضارتهم .

تعليق عبر الفيس بوك