حلقة "الرؤية" الحوارية السنوية

عبيدلي العبيدلي

كما عودت صحيفة "الرؤية" العمانية كوكبة كتاب أعمدتها، حرصت على أن يلتئم لقاؤهم السنوي خلال أعمال معرض مسقط الدولي للكتاب. وكما دأبت "الرؤية"، اختارت محور لقاء هذا العام، موضوعاً ساخناً يمس مستقبل البلاد العربية الاقتصادي، وهو "طبيعة الأزمة الاقتصادية العالمية"، والعلاقة التي تحكمها سلباً أو إيجاباً بمسار الاقتصاد العربي ومستقبله المنظورالذي يترقبه.

كانت النقاشات ساخنة، خاصة وأن المداخلات انصبت حول تشخيص واقع، ومن ثمّ أسباب الأزمة الاقتصادية الراهنة، وسيناريوهات تطورها، ومدى تأثير الاقتصاد العربي فيها، وتأثره بتداعياتها.

نقطة الانطلاق كانت من تشخيص الأزمة، وهل هي مجرد أزمة عارضة كما تصورها بعض الأقلام الغربية، بل وحتى العربية، أم هي بنيوية وتمس صلب النظام الاقتصادي المعاصر. وكما أشارت المداخلات، فإنّ ما يشهده النظام الاقتصادي العالمي من عثرات هي في جوهرها ليست سقطات مالية أو تجارية بل هي بنيوية مصدرها، كما تشير بعض الاجتهادات الموثوقة "الانخفاض المفاجئ في أسعار نوع أو أكثر من الأصول. وبما أن الأصول هي إما رأس مال مادي يستخدم في العملية الإنتاجية مثل الآلات والمعدات والأبنية، وإما أصول مالية، هي حقوق ملكية لرأس المال المادي أو للمخزون السلعي، مثل الأسهم وحسابات الادخار مثلاً، أو أنها حقوق ملكية للأصول المالية، وهذه تسمى مشتقات مالية، ومنها العقود المستقبلية". واستشهد البعض لتأكيد بنيوية الأزمة بما قاله الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد موريس أليس (Maurice Allais) قبل ما يزيد على عقدين من الزمان حين أكد على "أن الأزمة الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة)، دعا من أجل الخروج منها إلى خطوة جذرية تقوم على تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر، ومراجعة معدل الضريبة إلى ما يقارب 2%."

وقد أيده في هذا الاتجاه، الرئيس الفرنسي الأسبق حين دعا إلى تضافر جهود المؤسسات الاقتصادية العالمية من أجل الخروج من أزمتها التي أوصلتها إليها طبيعتها الجشعة المتوحشة بالقول "لقد حان الوقت لجعل الرأسمالية أخلاقية بتوجيهها إلى وظيفتها الصحيحة، وهي خدمة قوى التنمية الاقتصادية وقوى الإنتاج، والابتعاد تماماً عن القوى المضاربة ".

وحاولت بعض المداخلات من قبل بعض الكتاب المشاركين أن تسلط المزيد من الأضواء على الأسباب الكامنة وراء الأزمة والتي قادت العالم إلى حافة الهاوية، مستعينة في ذلك ببعض الأرقام الصادرة عن مؤسسات مالية موثوقة مثل البنك الدولي والمنظمات المتفرعة منه، أو المتعاونة معه، فأوردت تلك المداخلات مجموعة من الأرقام والإجراءات يمكن حصر الأهم من بينها في النقاط التالية:

· منح المقترضين قروضًا بدون ضمانات كافية، وبمخاطر كبيرة مقابل سعر فائدة أعلى (عوائد ربوية أكبر).

·وقد بلغت تلك القروض نحو 1.3 تريليون دولار في مارس 2007.

· بلغ حجم القروض المتعثرة للأفراد نحو مائة مليار دولار

· توسع المؤسسات المالية الكبرى في منح القروض للمؤسسات العقارية وشركات المقاولات. زادت عن سبعمائة مليار دولار.

· لجوء الكثير من الشركات العقارية إلى تسريح عدد كبير من موظفيها، ومن بين هذه الشركات شركة (Countrywide)،كبرى مؤسسات القروض العقارية في الولايات المتحدة، التي قررت تسريح خمس موظفيها بواقع 12 ألف وظيفة لمواجهة نحو 1.2 مليار دولار من الخسائر.

· الانقسام الطبقي الحاد؛ الأولى طبقة رأسماليةٌ تسيطر على أكثرَ من (95%) من ثروات البلاد ويمثلها (2%) من السكان، وأخرى كادحةٌ فقيرةٌ تشكل (5%) من ثروات البلاد ويمثلها (98%) من السكان.

· ارتفاع أسعار الأسهم.

· التضخم.

· الإنفاق الكبير على الحروب وزيادة الإنفاق العسكري مما أدى إلى قلة الإنفاق في مجال التنمية.

· توظيف الاقتصاد في خدمة الأهداف السياسية والعسكرية بدلاً من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

· الفساد الإداري والمالي وظهور الكثير من عمليات النصب والاحتيال حول العالم.

ومن واقع الأزمة وأبرز مظاهرها انتقال النقاشات إلى ما ينتظر الاقتصاد العالمي، فيما تجري المسارعة إلى وضع حد لتلك الأسباب، وأورد البعض ما جاء على لسان مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد حول نمو الاقتصاد العالمي الذي حذرت فيه من أن الوضع الاقتصادي "سيكون مخيبًا للآمال في العام المقبل، لكون القطاع المالي ما زال يُعاني من مواطن ضعف في العديد من البلدان، والمخاطر المالية تتزايد في الأسواق الناشئة. كل هذا يعني أن النمو العالمي سيكون مخيباً للآمال ومتفاوتاً في 2016، حيث لا يزال ضعف الإنتاجية وشيخوخة المجتمعات وآثار الأزمة المالية العالمية كلها عوامل تكبح النمو مما أضعف توقعات المدى المتوسط"

وانتهت الجلسة الحوارية الثرية فيما طرحت بتسليط الأضواء على مجموعة من الحلول المقترحة من لدن المؤسسات المالية ذات العلاقة من بينها:

· تقليص نسبة الفائدة بشكل تدريجي.

· دعم الإنتاج الحقيقي القائم على العمل والجهد المادي أو الفكري

· دعم المصارف

· وقف نزيف خروج الأموال من الأسواق الناشئة

وبعيدا عن غزارة ما جاء في المداخلات من مواد حاولت أن تغوص عميقا في الواقع الاقتصادي العربي، لا بد من التأكيد على أهمية مثل هذا اللقاء السنوي الذي يثير حوارات في غاية الأهمية بين أقلام صفحات "الرأي" في "الرؤية".

وفيما كان الجميع يتأهب للانصراف، كانوا جميعهم دون أيّ استثناء يناشدون رئيس التحرير، زميلهم في المهنة، حاتم الطائي، أن يُكرس هذا التقليد السنوي، ويجعل منه فعالية داخلية تُكرر نفسها في حُلة إبداعية مبتكرة كل عام، كي يتسنى لهم جميعاً أن يلتقوا "كل سنة مرة"، كما يحلو لفيروز أن تشدو.

تعليق عبر الفيس بوك