مرباط.. هل تقود الفكر الجديد للسياحة ؟

د.عبدالله باحجاج

لو لم تكن لدينا سوى ولاية مرباط فقط، لكانت وحدها مصدرا سياحيا أساسيا لدخلنا القومي؛ فكيف إذا ما كان هناك أكثر من مرباط سياحيا؟ ليس على مستوى محافظة ظفار فقط، وإنما على مستوى عموم البلاد، كل محافظة، بل كل ولاية تتوافر فيها من المقومات السياحية ما يجعل السياحة المصدر الأساسي للدخل، وإذا ما نظرنا، لواقع المحافظات السياحي -مرباط إنموذجا- فإن التساؤل يطرح هنا حول طبيعة الأشكال التي لم تستغل حتى الآن؟ وإذا ما استغلت جزئيًّا، فإنَّ الاستغلال يكون من منظور فكري مستورد، رغم أننا نملك الفارق السياحي الكبير إذا ما تم توظيف التاريخ ومنتوجاته الاثرية لصناعة سياحة تنافسية مستدامة، في ظل ما عُرف عن بلادنا من كونها واحة للأمن والاستقرار. هل الإشكال في الفكر أو التنفيذ أو في ماهية الإرادة السياحية نفسها؟ ومن ثمَّ: هل ينبغي أن يظل الإشكال قائما الآن في مرحلة النفط الرخيص؟

بالأمس، كنا في مرباط، وغالبا ما نكون في كل إجازة أسبوعية بين أحضانها سواء في جُزرها وخلجانها أو جبالها وكهوفها ووديانها أو على شواطئها الفضية الساحرة...إلخ، وفي كل زيارة نخرج بتساؤلنا المحير دائما، وهو: لو لم يكن لبلادنا سوى مرباط سياحيا، لكفاها مصدرا اساسيا للدخل، فكيف وأغلب ولايات البلاد سياحية بامتياز؟ والإشكال الذي يدفعنا إلى فتح قضية السياحة في هذه الولاية العريقة -تحديدا- مسألتان: الاولى توجهات كبيرة لمستثمرين محليين وأجانب لإقامة فنادق جديدة على جزرها وخلجانها المطلة على المحيط الهندي. والثانية: واقع مدينة مرباط القديمة المعدومة تماما من أية خدمات عصرية، وبيوتها التاريخية المبنية على الطرز العربي الإسلامي الساقطة والآيلة للسقوط، رغم وجود جهات حكومية تعنى بالتاريخ والتراث، وهذا الواقع لا يخدم سمعة السياحة في بلادنا، كما أنه يوسم الفكر السياحي الاقليمي بالقصور والتقصير في استيعاب التاريخ والتراث في السياحة المعاصرة، فهل يمكن فصل السياحة عن التراث؟ هذا التساؤل يختصر الإشكالية السياحية في محافظة ظفار عامة وفي مرباط خاصة، فكرا وممارسة، ومنها نفتح قضية السياحة في مرباط من أبوابها الواسعة؛ فخلال زيارتنا لها يوم الجمعة الماضية، وجدنا نسبة الإشغال الفندقي فيها كاملة بالسياح الأوروبيين على غرار بقية فنادق فئات خمسة وأربعة نجوم، ووجدنا السياح نهارا يستمتعون بالشواطئ الفضية، وبعض الزيارات السياحية القليلة، ولكن عندما يحين المساء يطرحون تساؤلات دون إجابات، لعدم وجود خيارات مكانية لقضاء المساءات والليالي.. هم يريدون مساءً وليلا غير مسائهم وليلهم الأوروبي، ويخطئ من يعتقد ذلك، إنهم يريدون أن يحسوا ويتعايشوا مع المتغير المكاني الجديد، ويكتشفوا هويته، وبماذا يميزه عن غيره من الأمكنة التي زاروها، وهذا للأسف غير متحقق لهم في مرباط، على غرار ما هو سائد في صلالة كذلك، فالسائه يخالجه فكر يحصره في الفنادق الراقية والشواطئ والنوادي الليلية، وهذا الفكر هو الذي يؤدى بسياحتنا إلى التقوقع؛ لأنه يحصرها في خيارين فقط: إما سياحة بنوادٍ ليلية أو دون سياحة، في الوقت الذي يتجه فيه الفكر الحديث للسياحة إلى السياحة العائلية وبهوياتها المحلية، كندن مثلا؛ بحيث أصبحت تتوافر في فنادقها مسابح خاصة للنساء، وأكلات وفق الشريعة الإسلامية؛ فكيف نحصر فكرنا السياحي على النموذج الغربي القديم وليس الجديد؟! وهذا يفقد السياحة في بلادنا هويتها في وقت ينبغي أن تتميز بها إقليميا وعالميا، ولديها الإمكانيات.. كيف؟ الكيفية التساؤلية نبحثها من منظور النموذج المرباطي؛ فضخ استثمارات جديدة في إقامة فنادق على شواطئ وخلجان مرباط ليست وحدها كافية لصناعة سياحة تنافسية مستدامة، فقد تفسر لوحدها بأنَّها محاولة من الكبار للاستيلاء على هذه الأماكن الإستراتيجية، مثلما سلَّمنا مواقع لمستثمرين محليين أقاموا عليها مرافق اقتصادية لا تخدم التطور؛ إذ لابد من وجود اشتراطات للاستثمار -سواء من حيث نوعية البناء وماهيته، أو تعزيز المقومات السياحية الإقليمية- ففي مرباط تتوافر العديد من المقومات السياحية الكبيرة والمتعددة والمختلفة، كالكهوف، وكهف طيق أكبر الكهوف في العالم يبحث عن خدمات لكي يصبح مزارا سياحيا، وكذلك سياحة الرياضة المائية والشاطئية وسياحة الصحراء والتخييم، فضلا عن مقوماتها الشاطئية والتاريخية ومناخها المعتدل. والذي يهمنا هنا هو استغلال المنطقة الأثرية في مرباط، وكيفية جعلها دعما لوجستيا للسياحة، وهذه قضية عاجلة جدًّا، لا تُؤجَّل؛ فالاهتمام ببيت "سيدوف" التاريخية، وإن جاء متأخرا بعد أن تأكل معظمها، إلا أنه غير كاف.

المطلوب أن يتزامن مع إقامة الفنادق، جعل تاريخ مرباط ومنتوجاته الأثرية يشكل الفارق السياحي للنهضة السياحية فيها، بحيث يتم تحويل قلاعها وحصونها لعنصر جذب سياحي، وترميم بيوتها القديمة القريبة من بيت سيدوف التاريخية وإقامة مقاه عصرية فيها ومطاعم شعبية راقية متخصصة في الأسماك؛ كون مرباط ولاية ساحلية، وتتولفر فيها الأسماك الطازجة بكميات أكبر من الطلب المحلي؛ بحيث يتم تصدير كميات كبيرة منها لبقية ولايات البلاد ولدول الخليج العربية، وكذلك إقامة محلات بيع القطع الأثرية، ومسارح مغلقة ومفتوحة؛ لممارسة مختلف الأنشطة الثقافية في مختلف المناسبات، ولو تصورنا هذا السيناريو على الأرض، لكم أن تتخيلوا القيمة العالية التي ستضاف للسياحة، ولنا أن نتخيل كذلك الحركة الاعتيادية على مدار اليوم من بقية ولايات ظفار إلى هذه الأماكن، وهى حركة نشطة يومي الجمعة والسبت وأيام العطل الأخرى، لكنها ستكون يوميا بسبب هذه القيمة المضافة للسياحة، ومثل هذه العلامات الفارقة هى التي ستميز سياحتنا، بهويتها الخاصة جدا. ومن هنا، يُمكن القول أن أية سياحة لا تقوم بتوظيف التاريخ ومنتوجاته الأثرية، ستكون بمثابة كمن يقوم بسلب هويتنا من أمكنتها، ويحدث هذا للأسف في ولايات أخرى وبصورة مؤسفة، كصلالة التي يتم هدم بيوتها القديمة بكل سهولة وإقامة مبانٍ عصرية عليها بموافقات رسمية.

إذن، الهاجس أنَّ تكون للسياحة في بلادنا هوية البلد التي تنتمي لها، على غرار ما هو سائد في دول سياحية عربية وأجنبية؛ فمن يتحدَّث عن السياحة في مصر لابد أن يذكر خان الخليلي، وفي سوريا سوق الحميدية الشهير، وفي تركيا تقاسيم، وفي مسقط مطرح. أما إقامه الفنادق على الشواطئ والخلجان بمعزل عن توظيف التاريخ وتراثه وعن الخدمات الضرورية لها -كمرباط- فهذا لن يخدم السياحة في بلادنا، بل يسيء للوجه الحضاري لها، قد ينبهر السائح بالشاطئ والمناخ، لكنه عندما يتوغل إلى داخل مرباط القديمة، سينصدم بذلك الواقع، وستزداد صدمته عندما لا يجد مقاه ولا مطاعم راقية فيها، عندئذ سيتساءل عن سر هذا التناقض، فندقة على مستوى عال ومحيطها متخلف سياحيا، بينما لو كان ذلك السيناريو الواقعي قائما، سيجد السائح والزائر متعة التنوع في المنتج السياحي، ومتعة تعدد خياراته في قضاء أوقاته؛ وبالتالي لابد من استثمار مرباط القديمة كدعم لوجستي أو قيمة مضافة للسياحة الاقليمية إذا اردنا أن تكون السياحة مصدرا للدخل على المدى القصير ومن بدائل النفط على المدى البعيد.

تعليق عبر الفيس بوك