"دار الورّاق".. وأصبح حلمي حقيقة

زينب بنت محمد الغريبي

تفرز الحياة نتيجة دورانها، أشياء كثيرة للبشر، من يحلم ويسعى مع دوران تلك العجلة غالباً ما يُحالفه النَّجاح، إذا اقترنت معه الرؤية بالتخطيط السليم، وتوجت بالتطبيق والسعي، ورافقها الهمة والتَّحدي من أجل الوصول، وتوجيه كل المُدخلات بإيجابية نحو الهدف، ونبذ السلبية والعوامل المُحبطة مهما أحاطت بالشخص، هكذا بدأت قصة "دار الورّاق".

مسار الحياة يحمل الإنسان صعوداً وهبوطًا في مراحله، ولكن يبقى الثبات حليف من يوجّه كل طاقاته وأفكاره بإيجابية، وصرف الصراعات وتبخيرها من أجل ألا تبقى عقبةً في طريق التطور والنجاح، كانت "دار الوارق" حلماً في مرحلة سابقة، بدأت الفكرة نتيجة صراع مع نشر الكتاب الخاص بي وتسويقه، أين أنشر؟ كيف أنشر؟ ومع ازدياد حاجتي الشخصية للنشر والتوزيع وصعوبة الموضوع وتعثره من ناحية، وغلق الأبواب أمام إنتاجي وطاقاتي العملية من ناحية أخرى، بدأ البحث في رأسي الصغير عن كيف يُمكن أن أستغل كل طاقات العمل والعطاء تلك، وفتح الطريق أمام أعمالي الكتابية للظّهور والانتشار، ومُساعدة من يمُرون بذاك المخاض من أصحاب الأقلام، فكانت فكرة "دار الورّاق".

بدايات المشاريع ليست بالسهلة، تحتاج لكثيرٍ من العمل سيما العمل المُتقن والهادف؛ فكانت الانطلاقة بفكرة مساعدة كل محتاج للنشر والأخذ بيده؛ "لنصنع من عُمان مفكرة" فاتخذناه شعاراً للدار، رغبة منّا بالمساهمة في تشجيع كل من يمتلك الملكة الفكرية والأدبية للظهور، والتحليق في سماء النشر بما لديه، فكل من هم معروفون بالساحة الآن من كُتّاب وأدباء كانت لهم بدايات، مثلت انطلاقاتهم نحو شهرة أعمالهم ورواجها، وبكثرة الإنتاج واكتشاف الأقلام العمانية الجديدة نعمل على تنشيط الحركة الفكرية الثقافية في عمان.

انطلاقاً من أن تقدُّم المجتمعات الإنسانية يُقاس بقدرتها على إنتاج المعرفة، ومشاركتها الفاعلة في دعم الفكر الإنساني، وكذلك بعدد الإصدارات التي تظهر فيها في مختلف فروع المعرفة، وتزداد أهمية التركيز على الحياة الفكرية والنشر العلمي في بلد مثل عمان حيث وضع مفكروه وعلماؤه كتباً كان لها دور في التأسيس لكثير من العلوم المعروفة اليوم مثل علم الحديث وعلم اللغة، وعلم الفلك وعلم البحار، وكان لهم دورهم المُثبت في كتب التاريخ في دعم مسيرة الحضارة الإسلامية طوال القرون الماضية، فكان العلم نهراً لا يتوقف عن الجريان، حيث كان الكتاب مصدر إشعاع ومنبع تقدم؛ ولذا لابد أن تبث الروح في هذا التاريخ الفكري، ليس فقط بإعادة تحقيق الكتب، إنما بتشجيع الأجيال العمانية على التأليف والإضافة إلى ذلك الرصيد الفكري الثمين.

لا تُقدِّم "دار الورّاق" نفسها كجهة تقوم بطباعة الكُتب وتسويقها، فهي دار تقوم على صناعة فكرة الكتاب، وتحفيز الكُتّاب الذين لديهم الملكة والدافعية للعمل على تلك الفكرة، وهي أيضًا تعمل على تطوير أفكار الكتب التي بدأ فيها هؤلاء الكتّاب؛ لذا فإنّ سياسة الدار هي عدم رفض أيّ مشروع فكري للنشر إلا إذا تعارض مضمونه مع الدين أو الأخلاق أو كان فيه تعدياً على أفراد أو جماعات أو مؤسسات بدون منهجية مُدعّمة بالأدلة العلمية، وبالتالي يكون القرار للمؤلف أن يُعدل في ضوء تلك المحددات، أما الأفكار غير المكتملة فتُعرض على لجنة علمية متخصصة في شتّى المجالات المعرفية لمراجعتها، ثم يتم تقديم توجيهات لأصحاب تلك المؤلفات لتطويرها حتى تصل لمستوى النشر، وبالتالي الهدف هو مساعدة المُؤلفين على صقل أفكارهم ومضامين كتبهم حتى تكون في وضع يسمح بنشرها، حرصاً على جودة الإصدارات الفكرية فهي واجهة لهذا البلد الغالي، ويستثنى من ذلك الأعمال المُحكمة علمياً والتي تمت مناقشتها في الجامعات من رسائل الماجستير والدكتوراه.

وحتى تتكمن الدار من العمل بحرفية في هذا المجال، والمنافسة من أجل تقديم الأفضل، فإنّها سعت لتأسيس قاعدة لوجستية على قدرٍ كبيرٍ من الكفاءة، حيث يوجد لديها فريق من المتخصصين في التدقيق اللغوي، وأيضًا فريق من المُصممين الذين يعملون وفق أحدث التصاميم الفنية في إخراج الكتب، وتتعاون الدار مع بعض الفنانين التشكليين بأخذ بعض اللوحات منهم لوضعها على أغلفة كتب الدار من أجل تعزيز المسيرة الفنية لهؤلاء الفنانين أيضًا، كما أنّ الدار أسست لشراكات مع بعض المطابع ذات الجودة العالية في المنطقة، إنّ احترافية الدار مكنتها من الطباعة في وقت لا يُمكن أن تضاهيها فيه المؤسسات العاملة في الحقل.

وها أنا احتفل بإنجازي بتدشين إنتاجاته في معرض الكتاب في نسخته 21؛ فتقدم "دار الورّاق" في بداية مشوارها مجموعة كبيرة من المؤلفين العُمانيين لأول مرة، وتُدشن في معرض الكتاب أكثر من ثمانين إصدارًا، علاوة على تدشين أول دفعة من برنامج دعم طباعة رسائل الباحثين العمانيين العلمية، وتعتزم الدار إطلاق مبادرات فكرية أخرى بعد معرض الكتاب سيكون لها دورها في الارتقاء بالحياة الفكرية، وفي فتح أفق وفرص للمؤلفين العمانيين وإيصال إصداراتهم إلى مختلف الأوساط الفكرية والأكاديمية العربية والعالمية.

وأصبح الحلم حقيقة، أعيش معها ومن أجلها، لأصنع فيها رؤيتي الثقافية، وأبنيها لبنة لبنة، بمساعدة ذاك الرجل الذي يقف بجانبي منذ بداية مشواري العملي، لم يتوانَ في تقديم كل ما أحتاجه من دعمٍ ومشورةٍ ومساندةٍ، فبدونه ما كنت سأكون، وما كان لحلمي أن يصبح واقعًا أعيشه.

zainab_algharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك