شخصنة النقد

مدرين المكتومية

من المؤسف أنّ الكثير من النقد في مجتمعنا أصبح يتجه بشكل خاص إلى الشخصنة فيتم انتقاد الشخص لذاته دون الأداء المؤسسي. ففي الآونة الأخيرة أصبحنا نجد للأسف انتشارا لهذا التوجه خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي فينتقد المسؤول في صفاته واسمه وربما حياته الشخصية، في حين أنّ النقد يجب أن ينصب على الأداء ومدى تناسقه مع أهداف وبرامج المؤسسة.

وبصفة عامة نلاحظ أنّ النقد بات أمرا يمارسه الذي يفقه والذي لا يفقه، وأحيانا من ليس لديه أدنى معرفة بالموضوع الذي يدور حوله النقاش يدخل ليدلوَ بدلوه وكأنّه أصبح من مستلزمات إثبات الوجود أو كأنّ الموضوع أصبح هواية ووسيلة سهلة لقضاء وقت الفراغ، أو مهنة من لا مهنه له، فبات الكل يبحث خلف خصوصيّة الشخص ليجعلها بمثابة براهين وأدلة ضد أمر معين، على الرغم أنه لا يفترض أن علاقة تربط بين الحياة الخاصة والظروف الشخصية لكل فرد وسلوكياته في العمل اللهم إلا في حالات الإصابة بأمراض نفسية.

فكل جانب من جوانب الحياة له خصوصيته وطبيعته، ولو فكر أي شخص قبل أن يشن الحرب على أحدهم في أنّ هذا يمكن أن يحدث معه لما سمح لنفسه بارتكاب هذه الجريمة الجديدة على مجتمعنا وهي الخوض في الحياة الشخصية للناس بما لا يرضى الله. الأكيد أنه لا يوجد شخص وصل للكمال في هذا العالم، فلكل منّا مساحاته الخاصة التي يعيش فيها كما يريد وقد يخفيها عن الكثيرين لكنها تمثل جانب من تكوينه الشخصي والتي يرفض من الآخرين تجاوزها أو البحث والتفتيش عنها.

لذلك فإنّ الشخص المتعلم والمثقف والمدرك لطبيعة الإنسان والتكوين البشري واختلافه سيدرك أنّ الربط بين الحياتين أمر سيء وإن لكل شخص في هذا العالم اللامتناهي، وعوالمه التي يعيشها بين نفسه وأخرى يتقاسمها مع الآخرين، هي شيء مخالف عمّا يتقاسمه ويعيشه في أي مؤسسة أو في مكان عمله. لكل منّا ثقافته العملية وتطلعاته وأسلوب أدائه للعمل، وهي تتفاوت بين شخص وآخر، فعندما نود أن نقدم أي لوم أو نقد لتوجه أحدهم في عمله فلا ينبغي البحث عن سيئاته الشخصية أو أخطاء قد يكون فعلها كشخص ولا تنعكس على العمل، وإنما علينا أن ننتقده فعليا في تلك الأخطاء الواردة في أدائه لعمله وكشف أي تقصير أو أخطاء، لنقوم بتوجيهه للطريق الصحيح من خلال النقد البناء بعيدا عن التنقيب في حياته أو شخصنة الأمور.

الشخصنة بالنهاية لا تعود بالنفع على أحد أو شيء فماذا نستفيد من إلقاء اللوم بأكمله على شخص ونبحث عن طوله أو وزنه أو لون بشرته أو نبرة صوته لنبحث عن عيب فنصوره كشيطان وننسى ماذا نريد من نقدنا بالأساس، وننسى ما توارثناه من قيم تحثنا على احترام الآخر وخلق الله كيفما كان، ومؤخرا بدأ يتحول كل انتقاد لتقصير في مؤسسة ما إلى تهم جاهزة للقائمين عليها إلى انتقادات شخصية، بل ويتطور الأمر ليغطي هذا الانتقاد الشخصي على الموضوع الأساسي فيذهب القصور في أداء المؤسسة إلى المرتبة الثانية أو العاشرة بعد انتقادات الشخص.

علينا أن نعلم أنه إذا كان هناك خلل في إحدى جوانب المؤسسة يحتاج إلى إعادة نظر وإلى بحث وتقصي لتصحيح مسارها، فإنّ الأصح والأصعب هو البحث عن أسباب التقصير واقتراح الحلول، بدلا من الأسهل والأكثر انتشارا وهو التحامل والإسهام في الترويج عن فشل أحدهم بدلا من أن نخصص دقائق من الوقت للتفكير قبل الإقبال على أن نقوم بضغطة زر على "رتويت" أو "إعجاب" أو المساهمة في التقليل من احترام الشخص من أجل المشاركة فقط.

الشخص الناقد حين ينقد فهو ينتقد لأجل التصحيح وهو ما ينطبق أيضًا على العلاقات بين الناس فالصديق إذا أحب صديقه فإنّه سيبحث عن الأخطاء ليقدم له البدائل وليُصحح المسارات وليخلق له آفاق أبعد عبر التفكير الإيجابي. بالنهاية فإنّ من ينتقد لأجل النقد هو في الواقع خاوي وليس لديه أي نية سليمة تجاه الشخص أو المؤسسة التي يتتطاول عليها. فعلينا أن نكون على يقين تام أنّ النقد شيء إيجابي إن لازمته حلول بناءة، ولكن الشخصنة ماهي إلا وسيلة للإطاحة بشخص قد يكون بريئًا وقد نكون سببا في دمار حياته الأسريّة والاجتماعيّة والمهنيّة.

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك