المُعلم العُماني.. بين الاستثمار والاندثار!

سلطان بن خميس الخروصي

كل عامٍ والمعلم يرفل بعنفوان الكرامة والهناء، كل عامٍ وعُمان تزدان فرحا وألقا بسواعد من عاهدوا الله بأرواحهم وأنفسهم لنشر العلم والمعرفة بين مجاهيل هذا الوطن المعطاء، لا يختلف اثنان أن الكوادر الوطنية المُنتجة لا يتأتَّى الحصول عليها إلا بجهودٍ مضنية من قِبل الجندي الخفيّ الذي طالما تغنَّى باسمه الشعراء والمشايخ الكرام حين علوهُ إلى شرف ورثة الأنبياء.

من الجميل جداً أن يُفرش الطريق للمعلم بعبق التقدير والاحترام بل والتبذير في إكرامه حق الإكرام، من الأجمل أن يكون المعلم في ضفاف المراتب الرفيعة حين توضع الخطط والاستراتيجيات الوطنية بما يخدم الأمة، ومن المعقول جدا أن تُغرس في سجايا النشء قدسية من أوصى النبي بمكانته على أن يكون المثل الأعلى بعيدا عن المتاجرة به في بورصات المسلسلات الكوميدية والتي تستمطر شوائب المجتمع لتضعها في شخصه ورسالته، من الحكمة أن يكون المعلم حجر النرد الأساس في بناء منظومة المناهج الدراسية لما يملكه من رصيدٍ علميٍ وعمليٍ مُتراكم طوال سنوات العطاء المُجهدة ليس الاعتماد على (بعض) أصحاب الشهادات الكرتونية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، من الكرم أن تُحاكي المؤسسات التربوية المعنية بالتكنولوجيا وتُقدمها كبادرة وطنية تقنية تنقل المعلم من غبار التقليد القائم على التحضير اليومي وسجلات التقويم والأنشطة التربوية والخطط العلاجية والإثرائية، وما يتصل بالمنظومة التدريسية إلى عالم التكنولوجيا الحديثة التي توفر الوقت والجهد للمعلم على ألا ينغمس في كم الكتابة الموكلة إليه بل يُكرِّسُ جهده إلى جودة عطائه وإبداعه، من العدل أن تُسنّ اللوائح والقوانين والأنظمة التي تحفظ حق المعلم وتجعله خطَّا أحمر من أن يكون سلعة مطاطية بين المجتمع ومؤسسات الحق العام متخطيا في ذلك ما أُثر عن النبي الأكرم "علموهم أبناء سبع واضربوهم أبناء عشر" بينما يتهافت بعض أفراد المجتمع وراء حفنة من المال جزاء (تأديب) بعض الأبناء مستغلين في ذلك ثغرات اللوائح الانضباطية والجزائية.

إنّ المعلم العماني وخلال الخمس سنوات الماضية بدأ - إلى حد كبير- يشعر بالأمن والاطمئنان والرضا لما تقدمه وزارة التربية والتعليم، والحق يُقال إن معالي الوزيرة - الموقرة- قدمت ولا تزال تقدم الكثير من العطاء لوضع المعلم في مكانته السامية؛ ولا أدل على ذلك زيارتها المستمرة واستقبالها لجمع غفيرة من المعلمين منذ ما قبل اعتصامات المعلمين 2010 وحتى اللحظة وتفاعلها مع الكادر التدريسي والمجتمع والخبراء في بناء منظومة مناهج عمانية أصيلة، وسعيها إلى تدعيم المدارس والمديريات التعليمية بكل ما تجود به التقنية؛ ومصداقا على ذلك الجوائز المتوالية التي تحصدها البوابة التعليمية، إلا أن التعليم في البلاد لا يحتاج إلى إصلاح فحسب بل إلى إعادة بناء وذلك ما تعهدت به وزيرة التربية والتعليم؛ والأمر يحتاج إلى عقود وسعة بال وتكاتف الجميع، وللإشارة إلى ذلك الرضا أجرى الباحث محمود الشقصي في (2014) أي بعد اعتصامات المعلمين في 2010 وبعد الأحداث التي عصفت بالبلاد في (2011) دراسة على عينة بلغت (408) معلما ومعلمة هدفت إلى قياس درجة الرضا الوظيفي من خلال: طبيعة العمل، والمناهج، والسياسات التربوية، والحوافز المادية، والذاتي للمعلم، وقد أظهرت الدراسة أنّ الرضا العام جاء بدرجة "متوسطة" وهي تعتبر نتيجة إيجابية أمام السخط الكبير والجو المشحون الذي كان يعتري المشهد التربوي خلال تلك الفترة.

وفي الختام ينبغي أن تستمر مسامع المسؤولين بالتربية والتعليم إلى ما يقوله المعلم من إصلاح تعليمي وتربوي؛ فهو حجر الأساس في هذه المنظومة الوطنية، فنحن بحاجة إلى أن نرتقي بهؤلاء الكوكبة من المجتمع إلى المثالية الحقيقية بعيدا عن اللجان والاجتماعات الفضفاضة؛ التي للأسف في غالبها لا تخرج إلا بتوصيات تكليفية إضافية على المعلم، نحن بحاجة إلى أن تستمر منظومة الإصلاح التعليمي التي قطعت شوطا كبيرا حتى الآن، كل عام وجميع المعلمين والمعلمات في سعادة وإكرام وتبجيل، ورحم الله تلك الأرواح الطاهرة التي حصدتها الطرق في سبيل سعيها لخدمة التعليم.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك