رياض الجنّة

عيسى الرواحي

لا ريب أنّ طرق الدعوة إلى الله كثيرة، ووسائلها عديدة، فكل ما أوصل إلى الله دعوة إليه، وتعتبر حلق الذكر أو المحاضرات الدينية التي تقام في بيوت الله إحدى وسائل الدعوة إلى الله، ففيها يجتمع المسلمون على كتاب الله؛ يتلونه حق تلاوته ويتدارسونه فيما بينهم، فتحفّهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، وتنزل عليهم السكينة، ويذكرهم الله في ملأ عنده، وفيها يجتمع العالم والمتعلم، وينهل طلبة العلم من علم العلماء، ويسترشد الحاضرون بدعوة الدعاة، ويأخذون بتوجيه أهل الوعظ والإرشاد؛ فتتبدد ظلمات الجهل، وتشرق شمس المعرفة، وتتضح الطريق وتبين معالم الهداية، ويُعرف الحلال من الحرام، والصواب من الخطأ، ويتفقّه النّاس في أمر دينهم؛ فيعبدون الله على بصيرة، ومن أراد الله به خيرًا فقهه في الدين.
وبما أنّ المحاضرات الدينيّة تكمن فيها هذه الفوائد الجمّة، وذات أهميّة كبيرة وأثر بالغ في تفقيه النّاس أمور دينهم، وإرشادهم إلى طريق الهداية، وتزامنًا مع أكبر الفعاليّات الثقافيّة السنويّة بالسلطنة وهي معرض الكتاب السنوي؛ فإنني أضع بين يدي القارئ الكريم كتاب"رياض الجنة" في جزئه الأول وهي تسمية اقتبستها من تسمية الرسول الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم- لِحِلق الذكر برياض الجنة في قوله:(إذا مررتم برياض الجنة، فارتعوا، قيل: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: حلق الذكر) .
يقع الكتاب الذي تولّت نشره روائع نور الاستقامة في ثلاثمائة وثمان عشرة صفحة، ويضم بين دفتيه مائة عنوان لخلاصات محاضرات العلماء والفقهاء والدعاة في بيوت الله، دوّنت ما حوته من دررها وفوائدها حسب فهمي واستيعابي، وليس بالضرورة أن يكون ما كتبته قد قاله المحاضر الكريم نصًا؛ فقد أزيد لمزيد الفائدة، وقد أنقص لعجز الفهم والاستيعاب، أو رغبًة في الإيجاز والاختصار.
وقد ابتدأت كل عنوان محاضرة بالتعريف بها موضحًا عنوانها ومحاضرها وزمان ومكان إقامتها، ثمّ دونت بعد ذلك مجموعة من الفوائد استخلصتها من المحاضرة ووضعتها على هيئة نقاط سميتها بـ "الشذرات"، وأخيرًا كتبت خلاصة ما دار في المحاضرة في قالب مقال وهو ما سميته بـ "الخلاصة".
وهذا التسلسل من التعريف بالمحاضرة وشذراتها وخلاصتها يقع في سبعين محاضرة، أمّا الثلاثون الأخرى فقد اقتصرت بعد بيان عنوانها بوضع شذراتها فقط؛ وذلك لكون بعض العناوين تضم أكثر من محاضرة، وبعضها كانت كلمات في مناسبات دينية أقيمت بالمسجد فكانت مادتها العلمية مختصرة كون وقتها قصيرا جدًا، وقد سلسلت المحاضرات جميعها حسب تأريخ إقامتها الذي يقع بين عامي 1431 و 1436 للهجرة.
ونظرًا لأمانة الكلمة، وعظم مسؤولية نشرها، وللوعيد الشديد لمن يتقول على الله بغير علم، ولكوني طالبَ علم صغيرًا، وما أجهله أضعاف ما كتبته، وما قد يعتري الإنسان من السهو والخطأ والزلل والتقصير، فقد كان لابد أن أعرض هذا العمل على أهل العلم الراسخين؛ لأجل تصويب الخطأ، وسد الخلل، وإكمال النقص، وإقالة العثرة، وقد قام بهذا الجهد المبارك والعطاء المحمود مشكورًا مأجورًا الأخ العزيز والأستاذ الجليل الدكتور سالم بن مبارك بن راشد الرواحي، فصوَّب وعَّدل، وأرشد ووجه، وأضاف ما وجبت إضافته، وحذف ما لزم حذفه، وسعى جهده في أن يخرج الكتاب بصورة جميلة وحلة قشيبة يستفيد منها القارئ الكريم، كما تفضل فزاد الكتاب جمالا بكلمته الموجزة الواصفة للكتاب، فجزاه الله خيرا، وزاده علمًا وفهمًا وحفظًا.
كما حظي الكتاب بشرف تقريظة بقصيدة شعرية من قبل شاعرنا وفقيه عائلتنا الأخ العزيز مصطفى بن يحيى بن عيسى الرواحي، فلّه مني بالغ الشكر والعرفان، ومما جاء فيها:

وكُّلُ العلمِ ينْفلتُ انفلاتًا ** سوى عِلمٍ يُقيَّدُ بالحبالِ

وما حبلُ العلومِ سوى يراعٍ ** يُقيِّدُ كلَ لفظٍ من مقالِ

خيوطَ العلم تنسجها موشى ** تطرِّزه على ثوبِ الجمال ِ

"رياض الجنَّة" الغنا كتابٌ ** توَّشحَ بالفرائد والدلالِ

فآياتٌ وتذكيرٌ وذكرٌ ** خلاصةُ فكرةٍ وبيانُ حالِ

مثالٌ حِكمةٌ وجمالُ لفظٍ ** كمثل الخالِ في خّدِ الغزالِ

ختامًا إنّ هذا الكتاب إن لم يكن فيه تعليم وإفادة بجديد للقارئ الكريم فإنّ فيه الذكرى التي تنفع المؤمنين، وتذكّر الناسين، وتنبه الغافلين، راجيًا العلي القدير أن يتقبّل منّي هذا الجهد اليسير، ويجعله خالصًا لوجهه الكريم، ويضاعف به حسناتي، ويمحو به زلاتي، وأن يكون دعوةً إليه وصدقة جارية وعلمًا ينتفع به أنال منه الأجر والمثوبة في حياتي ومماتي، كما أدعو الله تعالى أن يجزي علماءنا ودعاتنا خير الجزاء على ما يفيضون به من علم وتوجيه وإرشاد للناس، ولا يفوتني كذلك أن أخص بالشكر والدعاء تزامنا مع هذا اﻹصدار وكل إصدار سابق ولاحق زوجي العزيز ـ أدامها الله ـ التي أدركت الجهد فتلمست العذر؛ لانشغالي خلال الفترة الماضية، والصديقين العزيزين محمود بن حمود الرواحي وعيسى بن محمد الرواحي اللذين كان لهما فضل سداد الرأي، وحكمة المشورة... والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.

. issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك