هل كل تغيير يؤدي إلى تطوير؟

وليد بن خميس الندابي

ينادي الكثيرون بالتغيير من أجل التطوير، فهناك اعتقاد سائد بأنّ التغيير هو العصا السحرية التي ستُحول الفشل نجاحًا، والنقص كمالاً، ولكن ما أن يحصل التغيير حتى تتبدد تلك الأوهام، وتنكشف حقيقة الأحلام، وما الربيع العربي عنّا ببعيد، وليست التغييرات الوزارية عنّا بغريب. فقد تبين أنّ التغيير لم يجلب إلا مزيدًا من الفساد، أو -في أحسن الأحوال- ظل الوضع على ما كان عليه.

ثم يأتي من بعدهم قوم آخرون يحسبون أنفسهم أفقه من الذين سبقوهم، فيقولون سنكون أهدى من الذين قبلنا، وما هي إلا أيام -وربما سويعات- حتى يلقوا المصير الذي لقيه من قبلهم.

فإذن ما هو الحل؟ وكيف العمل؟ هل نصبر على ما نحن عليه؟ وهل نرضى بالأداء الذي وصلنا إليه؟، كل تلك تساؤلات يطرحها المخلصون - والمفسدون أيضًا- غيرة وغبطة على ما وصل إليه الآخرون من رقي وتقدم، أو رغبة ولهفة إلى ما حازه الآخرون من متاع الدنيا.

والجواب على تلك التساؤلات يأتي في قاعدة بسيطة أُقدمها للقارئ، ليطبقها في أيّ موقع وموضع، وفي أيّ منصب ومركب، فهناك قاعدة أساسية في علم الإدارة الحديثة تقول (إنّ كل تحسين يحتاج إلى تغيير، ولكن ليس كل تغيير يؤدي إلى تحسين)، فانطلاقًا من هذه القاعدة الأساسية نستطيع أن نستنبط أمرين أساسين وهما:

إنّ الفرد أو العائلة أو المؤسسة أو الدولة ستظل بنفس المستوى من الأداء إذا استمر العمل بنفس الطريقة السابقة، وطبعاً مع احتمالية أن يتدهور الأداء ما أن تصبح الطرق المتبعة لا تتواكب مع العصر الذي هي فيه.

والأمر الثاني أنّه وبالرغم من أنّ هناك حاجة ماسة إلى التغيير ليتحسن الأداء ويتطور، إلا أنّ المؤسسة والأفراد عليهم أن يعلموا أن ليس كل تغيير سيؤدي إلى ما يطمحون إليه من سُّمو ورفعة. فليس بالضرورة أن يكون تغيير ذلك المدير أو ذلك الوزير أو ذلك المسؤول خيرًا للمؤسسة ولموظفيها، بل إنّ استبدالهم بموظفين آخرين قد يجر إليهم ويلات كانوا بمأمن عنها، وليس بالضرورة (وضع تحتها عشرين خطاً) تغيير الأجهزة والتطبيقات الإلكترونية هي الشفاء من كل داء، فعليهم إذًا أن يتحسسوا من اللبيب ضالتهم ومن الممارس حاجتهم، حتى يأخذ الله بأيديهم إلى التغيير المنشود وينقذهم من الوقوع في فخاخ التغييرات الشكلية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

ومعنى ذلك أنّ المؤسسة بحاجة إلى قياس أدائها الحالي باستخدام الأدوات الحديثة والطرق العلمية الجديدة، وتأتي أهمية هذه النقطة لأنّ كثيرًا من الناس تحكم على الناس -وعلى المؤسسات والدول- من منطلق الهوى والظن أو استنادا على الحقد والحسد، أو الجهل والتقليد، ولا يستندون إلى مراجع علمية، ولا إلى قياسات دولية، ولا إلى أدوات تقييمية. فلا عجب حينها أن ترجع رياح التغيير بأعاصير موسمية أو على الأقل بمنخفضات جوية. وهناك الكثير من الأدوات التي يمكن استعمالها لقياس الأداء بحسب الموضع التي سيتم استعمالها فيه. ولكن ليس هذا المقال مقام البسط لهذا الكلام. فلعل الله يُيسر شرح بعضها في مقال قادم بإذن الله.

وبعد أن يتم قياس أداء المؤسسة سيتم تحديد مواطن الضعف والقوة، وإذا كانت هناك أكثر من نقطة ضعف؛ ينبغي أن نرتبها بحسب أولويتها وأهميتها وتأثيرها على الأداء العام للمؤسسة، ومن ثمّ يتم إجراء عواصف ذهنية ونقاشات جدية وقراءات علمية للتعرف على أقصر السبل وأسهل الطرق لتقوية الأداء، فأحياناً لا يحتاج الأمر إلى تغيير البشر ولا يحتاج إلى ضخ مزيد من الأموال أو الموارد، بل إلى تغيير السياسات والفكر، أو إلى توزيع كلمات الشكر، أو إلى خطوات صغيرة ولكن تأثيراتها كبيرة.

خلاصة القول نعم إنّ التغيير قد يكون مطلوبًا ولكن من الأهمية بمكان أن نعرف ما هو التغيير الذي سيؤدي إلى التطوير المطلوب، وإلا فإننا قد نقوم بتغييرات كثيرة وخطوات كبيرة، ونظل نتخبط ونتيه ونستنزف ميزانية الدولة والمؤسسات ولم نصل بعد إلى الغاية المنشودة، بل لربما ازداد الوضع سوءًا، ولا نجني إلا ضياع الأوقات وإهدار الأموال.

تعليق عبر الفيس بوك