العلاقات الصينية الإيرانيّة وانعكاساتها على المكانة الدوليّة العربيّة

عبيدلي العبيدلي

لم تكن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى العاصمة الإيرانيّة طهران مفاجئة، بل ربما كانت الدوائر السياسية تتوقعها منذ أن تمّ رفع العقوبات عن إيران. فقد كانت العاصمتان في انتظار هذه اللحظة كي تتمكنان من توسيع دائرة التعاون فيما بينهما، بعد أن كانت العقوبات تحول دون ذلك. ومن المنتظر أن تشكل هذه الزيارة نقلة نوعية في العلاقات التي كانت تتطور ببطء وحذر خلال فترة فرض العقوبات.

وتحكم بكين وطهران مجموعة من المصالح المشتركة التي تعود بجذورها التاريخية الى حقبة "طريق الحرير"، عندما نسجت إمبراطورية "الهان" الصينية علاقات حميمة مع نظيرتها الفارسية الإمبراطورية "البارثية". وخلال الفتوحات الإسلامية الأولى، وعندما وصلت الجيوش العربية إلى فارس، لم يجد بيروز الثالث، مكانا يلجأ إليه أفضل من الصين. وفي التاريخ المعاصر، حكمت الصين علاقات حميمة مع شاه إيران محمد بهلوي، رغم العلاقات الحميمة التي تربطه مع واشنطن. لكن عدائه للسوفيات حينها، كان كافيا كي تمد بكين يدها لطهران لمواجهة العدو المشترك في موسكو. هذا ما دفع الشاه ذاته إلى الاعتراف في العام 1971 بجمهورية الصين الشعبية. لكن هذه العلاقة المتنامية عرفت شيئًا من الارتجاج، عندما "دعمت الصين موقف أمريكا عند احتلال السفارة الأمريكية في طهران، وصوتت بكين في مجلس الأمن لمصلحة القرار الذي يطالب بإطلاق الرهائن على الفور، لكنها امتنعت حينذاك عن التصويت على مشروع القرار الذي تضمن فرض عقوبات اقتصادية على طهران."

واليوم، تتعزز العلاقات بين العاصمتين بفضل مجموعة من الأبعاد يمكن حصر الأهم منها في النقاط التالية:

البعد الاقتصادي، فعلى الرغم من تراجع إيران إلى المرتبة السادسة بين المزودين للطاقة للصين، لكن ذلك لا يقلل من أهمية اعتماد بكين على نصف حاجتها من الطاقة على منطقة الخليج العربي التي تحتل إيران مكانة لا يستهان بها على صعيد التأثير في مجريات الأحداث فيها، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالنفط. ولا يغيب عن نظر بكين "أن إيران هي ثالث مصدر للنفط على مستوى العالم وثاني دولة في احتياطي الغاز." وتعد الصين، كما يقول الباحث محمد عي سالم "الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران، ولعل ذلك يعود في جزء منه إلى أنها مستورد أساسي لموارد الطاقة، وبتعاظم معدلات التنمية زادت حاجتها لهذه الموارد، كما أن إيران منتج ضخم للطاقة، وسوق كبير لتصريف المنتجات الصينية اللازمة لإدامة معدلات التنمية المرتفعة التي تشكل الأساس لنموذجها الاقتصادي الحالي، ومن ثم يمكن القول إن النفط يحتل مكانة مركزية في العلاقات التبادلية بين الجانبين، ويشكل قاطرتها الأساسية. ويُضاف إلى شراء النفط والغاز؛ تعد الصين أيضًا أهم لاعب أجنبي في التنقيب والاستخراج، ففي حين مورست الضغوط من قبل الولايات المتحدة على العديد من البلدان الآسيوية والأوروبية للتخلي عن استثماراتها في إيران؛ كان بمقدور الصين ملء الفراغ الذي خلفه رحيل هذه الشركات من خلال الموافقة على تطوير العديد من الحقول، وعلى رأسها حقلا النفط العملاقان أزاديجان ويادوران، بالإضافة إلى حقل غاز بارس الجنوبي العملاق."

وفي السياق ذاته، وفي النطاق الاقتصادي. كان من بين الأمور التي تمخضت عنها زيارة الرئيس الصيني اتفاق البلدين "على تعزيز التبادل التجاري بينهما ليصل إلى 420 مليار دولار، بعدما تراجع في 2015 بسبب هبوط أسعار النفط، وكان قد بلغ إجمالي حجم التجارة بين إيران والصين نحو 52 مليار دولار عام 2014، وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية فقط اتفق الطرفان على تعزيزها ورفعها إلى مستوى 600 مليار دولار، في غضون عشر سنوات."

البعد العسكري، وتصنف الصين على أنّها أكبر ثاني مصدر للأسلحة إيران بعد روسيا طيلة الفترة الممتدة من 1995 إلى 2005، "إذ ورّدت 18 في المائة فقط من حاجات إيران من السلاح، وخلال الحرب العراقية الإيرانيّة، كانت الصين هي القوة الكبرى والوحيدة التي زودت إيران بالأسلحة، حيث صدرت الصين أنظمة من الصواريخ البالستية إلى إيران، وزودتها بصواريخ سيلك وورم، المضادة للسفن، التي يمكنها إغلاق مضيق هرمز، التي تعتبر الآن من أهم أوراق إيران الردعيّة، وبعدها حصلت إيران على أنظمة صواريخ مضادة للسفن من طراز سي ـ 802، ذات الكثافة النيرانية العالية والدقة النسبية في إصابة الأهداف، كما قدمت الصين مساعدات إلى إيران في مجال التصنيع والتطوير والتكنولوجيا، فضلًا عن المساهمة في البنية التحتية الصناعية لصواريخ شهاب ـ 3 وشهاب ـ 4، مما دفع وزارة الخزانة الأمريكية إلى فرض عقوبات على شركات سلاح صينية، بزعم أنّها وردت لإيران قطع الغيار والتكنولوجيا، الخاصة بالصواريخ من طراز فاتح ـ 110، وأنظمة الصواريخ من طراز فجر."

وانعكست هذه المصالح الاقتصادية/ العسكرية على المستوى السياسي، فقد وقفت الصين، بشكل مطلق إلى جانب المشروع الإيراني في سوريا، ونسقت مع روسيا لضمان إفشال أي مشروع دولي يمكن أن يهز التواجد الإيراني في أي مشروع شرق أوسطي. وهذا يفسر استخدام الصين لحق الفيتو ضد أي قرار يمكن أن يتخذ ضد نظام بشار الأسد، ومن شأنه أن يمس مواقع إيران في المعادلة السورية.

تشكل هذه الزيارة نقلة نوعية في توثيق العلاقات الصينية - الإيرانية، ومن الطبيعي أن تكون لها انعكاسات لا يستهان بها على العلاقات العربية - الصينية، لغير الصالح العربي. وبالتالي فهي تدق ناقوس تحذير في موقع العرب في خارطة العلاقات الدولية، اللهم إلا إذا أدرك العرب الحجم الصيني في العلاقات الدولية في الفترة القادمة، وتحركوا ليس بردة فعل "بدوية" عفوية، وإنّما بمشروع عربي متكامل. فهل يفيق العرب من سباتهم، ولا يضعوا جميع بيضهم في السلة الغربية؟

تعليق عبر الفيس بوك