متى تفيق أمة العرب من السبات العميق؟!

حمد بن سالم العلوي

لقد كان المتنبي يهجو كافور الأخشيدي حاكم مصر، عندما قال قصيدته التي حملت في أحد أشطرها "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم" وعلى ما يبدو قد استحسن العرب هذا الوصف، وأرادوا أن يزيدوا عليه ما يُعززه، ويُخلده في تاريخهم العابس الأليم، فوثَّقوه عملياً وفعلياً بالتقاتل بينهم، وبذلك جعلوا الأمم تستعيش وتسترزق على جهلهم، حتى يستمر الضحك طويلاً وطويلاً، فأشعلوا همم الأمم في التصنيع والإنتاج، والعرب بغفلتهم يعمهون ويتنعمون في عسل الوهم ينامون دون فواق، أما مصانع العالم التي تهدر ليلها بنهارها لإشباع طلبات القوم النيام، وخاصة في صناعة الأسلحة الفتَّاكة، وبالطبع ليس لمحاربة عدو خارجي، فهم يَعدُّون - أي العرب - القتل معروفاً، وأنتجوا مقولة زوراً وبهتاناً، بقولهم "جئناكم بالقتل" وعندما يكون القاتل والمقتول في الجنة، بحسب شرع بعض العرب ووفق قناعتهم الجاهلية، فإنّهم يُفضّلون أن يقتلوا أهلهم وذويهم، مما دفع وزير الأمن الصهيوني إلى تفضيل قوم داعش على إيران، وبالطبع هو صادق، لأنّه كيف يعيب ما شارك في صنعه وتأسيسه!!.

إذن كيف لا يفضلون قتل العرب، وهم الأقربون الأولى بالمعروف، فطالما حرّفوا كل شيء عن مواضعه، وكأنّ فهمهم للأحاديث الإسرائيلية أولى بالاتباع، لأنّ الأحاديث النبوية الشريفة أصعب في التطبيق لأنّها تحتاج إلى ورع وصفاء نية، إذن هم مغرمون بالتحريف والتخريف، والغلو في التعذيب وقتل القريب الضعيف، وهذا ليس تشبُّها باليهود الذين كانوا يقتلون الأنبياء والرسل انتقاءً وتيقناً، وإنما العرب ابتدعوا فكراً جديداً غريباً ليس يقوى عليه أحد، حتى إبليس يعجز عن فعله أو التفكير فيه، ألا وهو قتل النساء والأطفال، والعجزة وكبار السن، وحتى الحيوانات والأشجار، أي تدمير الحرث والنسل مع التهليل والتكبير، نكاية في الدين الإسلامي وكل البشرية.

ترى لو عاد المتنبي اليوم إلى الحياة من جديد، فكم كافور سيجدُ بين حكام العرب، وكم ضاحك ومسترزق من كافة الأمم يضحكون على وضعنا وقلة حيلتنا، ألا لهذا الضعف الغادر الماكر من زوال، فما هذا الضعف الذي ليس له شبيه في بقاع الأرض قاطبة، حتماً سيذهل الشَّاعر من هذا الوضع المتردي، وسينشد قصيدة أخرى يمدح فيها كافوره وزمنه الكريم ويُكثر له من الإطراء، وسيعتذر عمّا قد بدر منه ساعة غضب وكدر، وستكون قصيدته مكفِّرة عن تلك التي قالها في الزمن الغابر، وقد كان في لحظة طيش وتهور وغضب، لأنّ الذي يحدث اليوم جد ذميم، فلا يتصوره إنسان بلب طفل لم يبلغ العاشرة من العمر. وإلا كيف يقوى إنسان يزعم أنه يحمي الإسلام، ويرفع راية التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" فلا يتورع عن سفك الدماء الزكية الطاهرة بغير حق، ولا بحكم شرع الله الذي حرَّم قتل النفس البشرية دون أمر مسوغ يبرر له قتل هر؟

ثمّ ما هذه الهمِّة العالية، والرغبة العارمة الصارمة في عقد ألوية الحروب والغزوات النكوب، فلا يمر شهر أو شهران إلا ونسمع خبراً عن عقد لواء للحرب، أو تحالف للقتال وتدمير الأرض، فلو لا يصرف الله شرورهم على أيدي العقلاء من عباده، لوجدنا أنفسنا في أتون جملة من الحروب، لن تظل نارها في بقعة دون أخرى، بل قد تُهلك الحرث والنسل، ولكنها لن تسير إذا اشتعلت كما يُريد لها دعاتها، بل ستسير بقوة ردة الفعل، وسيحيق المكر السيئ بأصحابه، وإن مثل هذه الحروب لن تكون نزهة بل ستمحق فاعلها في طريقها، وسيطال ضررها المُباشر وغير المباشر، الكون كله بالأذى إلا ما رحم ربي، وسيظل شياطين الإنس يوسوسون لهم أنّهم الفائزون، وكل ذلك ليس إلا مجرد محض غرور.

فلماذا يا دُعاة الحروب، لا تفكرون ملياً بعقلٍ صافٍ .. ونية حسنة؟ فحتماً ستجدون أن كل الحروب التي أشعلتموها بأيديكم، أو بأيدي آخرين لم تفلح في شيء، وأنها حروب عبثية تحركها السياسة مع غياب العقل، أو المخططات العدائية الوهمية، وجميعها ليست طاعة لله ورسوله على الإطلاق، وإلا لكانت وجهتكم تحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين أولاً لو كنتم صادقين، ورفع الظلم عن إخوانكم العرب في فلسطين، الذين يقتلون صباحاً ومساء من قبل اليهود الغاصبين، ولكنكم أخطأتم الطريق، بل قد تكونون تعمدتم المعصية والخطيئة.

كما أنّكم باصطفافكم مع العدو الصهيوني سراً من جانبكم، وعلناً من جانب العدو، فإنّكم قد تداعيتم لحروب يقتل المسلم فيها أخاه المسلم دون قضية عادلة، وإنما هي وسيلة لهدر الأموال، وتبديد ثروات المسلمين في غير شرع الله، وقد دمرتم الأوطان بلداً تلو الآخر لصالح العدو الحقيقي، وأخشى أن يكون المشار إليه في تصريحاتكم بـ(آخرين) هم بني صهيون لا غيرهم، عندما عدّدتم الذين يقفون معكم في غرف عملياتكم الباطلة، وذلك إلى جوار البريطانيين - وهم أساس السوء والدسيسة في كل فتنة - والأمريكيين والفرنسيين في حربكم على اليمن اليتيم.

لقد تداعيتم بالأمس القريب من خلال جامعتكم، التي صارت جامعة للهدم، فقررتم تدمير العراق، ولم تكتفوا بإخراجه من الكويت، مع أنّه كان من الممكن إخراجه أيضاً من الكويت بالصلح والتفاهم، ولكن الهمّة القوية التي عُقدت للهدم، كانت أولى بالتطبيق، فتوافقتم على تدمير العراق، واليوم تأتون للتباكي عليه! ثم تآمرتم على ليبيا بعد العراق، وزعمتم إقامة الحرية والعدل، وها هي ليبيا تسبح في دماء أبنائها بلا مُنقذ، وهكذا الحال في بقية الدول العربية الجريحة الأخرى، فليس يأتينا منها، إلا خبر الموت والدم، والخراب والدمار في كل ربوع الوطن العربي.

يا ترى ماذا لو أمعنتم العقل والحكمة؟ وتناديتم إلى التصالح والتفاهم والتعاون .. فيما بينكم أولاً، ثم تناديتم إلى جمع عربي قوي موحد، وناديتم معكم دول الجوار الإقليمي من المسلمين، وأنشأتم بينكم حلفاً للخير يضم إيران وتركيا وباكستان، وجامعة الدول العربية كممثل للعرب (وبالطبع، تحت نهج جديد وشعار جديد ومسمى جديد) وتناصرتم على مساعدة بعضكم البعض، وتبادلتم المعلومات والمصالح، وأنشأتم قاعدة للتصنيع والإنتاج والابتكار، فإنكم حتماً ستحققون نهضة كبيرة.

إنّ العالم أجمع سيقف أمامكم بكل تقدير واحترام، ففكرة كهذه ستنبذ التخلف والفرقة، وستوقف التقاتل والتباغض والحروب العبثية، وستنعم الشعوب العربية والإسلامية بالأخوة والمحبة والرفاهية والسلام، وذلك في ظل طاعة الخالق ومحبة رسوله الكريم، وأن يتنازل الذين صنعوا من أنفسهم نواباً في الأرض عن ربِّ العزة والجلال، فهو جلّ في علاه لم يعط هذه الصفة لنبيه وحبيبه المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وكان خاتم الأنبياء والمرسلين، فحتماً لن يعطيها لعبد من بعده اليوم، وإنما أصدر فيها حكماً مطلقاً قاطعاً بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات (13) إذن أنتم لا تزكون بعضكم البعض أمام خالقكم فهو الأعلم بما توسوس به أنفسكم، فيا تُرى هل مررتم بهذه الآية الكريمة يومًا ما، وتوقفتم ملياً أمامها وفهمتم معناها؟!.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك