تمر الأزمات.. ويبقى الوطن

عزيزة راشد

عندما أراد الصربي غافريلو برينسيب أن يثبت شجاعته ويثير الاهتمام، قام باغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فيردناند وزوجته أثناء زيارتهما إلى سراييفو في 28 يونيو 1914، وبعدها أعلنت النمسا الحرب على صربيا ومع اختلاف التحالفات بين الدول الأوروبية في تلك الفترة اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، وراح ضحيتها أكثر من 16 مليون قتيل و8 ملايين مفقود و20 مليون جريح!

شرارة صغيرة قد تشعل بلد وتحرق إنجازات وطن، وفتنه عارضه تزيد الحقد بين المواطنين الرئيس والمرؤوس، تنطلق يوميا تغريدات ومقالات وآراء مختلفة، بعضها يطرح فكر بناء وحلول نيرة والبعض الآخر يود لفت الأنظار، والآخر يقوم بدور الوطني الذي يود تخليص البلد من اللصوص والمجرمين وكأنَّ البلاد ملاذ قطاع الطرق والقراصنة... فما لكم كيف تحكمون!

تمرُّ البلدان بالمحن والعوارض والأزمات، وتبقى الشعوب مُحتفظة بأوطانها ومتانة نسيجها الاجتماعي، مؤمنة بأن الأزمات تمر، والأوطان تبقى، إلا أنَّ البعض ينفث سمه في البلد والمواطنين والمسؤولين، يشتم هذا ويتهم ذاك وهو يدخن سيجارته غير مدرك أنه في بلد القانون ودولة المؤسسات والقضاء النزيه، ومن يطلقون سهام النقد الجارح وغير المؤسس في وسائل التواصل الاجتماعي بحق العديدين ممن يتصدون للعمل العام، ورغم أن بعضَ هؤلاء المنتقدين الناقمين لا يستطيعون إدارة دكان صغير!

النفط مَوْرد نافد، وكلنا يعلم ذلك وللدول حساباتها في هذا الشأن، لكن: ماذا عملنا نحن كمواطنين لاستقبال حياة أخرى خالية من مورد معين، ألا يجب أن يعتمد المواطن على نفسه ويخلق له مداخيل أخرى غير الأجر الشهري، ويبحث في نفسه عن أهم المهارات التي يمتلكها ويطوِّرها ويستغلها لتعود عليه وعلى أسرته بالنفع والفائدة، فإلى أين تأخذنا الاتهامات للدولة وللمسؤولين، وإثارة البلبلة بالجلوس ساعات طوال أمام شاشة الهاتف أو الكمبيوتر لتدبيج الاتهامات غير الصحيحة عن المسؤولين؟ فلماذا لا نطور أنفسنا بدلًا من تقديم الاتهامات للوطن ولمسؤوليه؟!

الوطن أعز ما نملك، والوطن يحتاج منا إلى أفكار بناءة وحلول جذرية وإبداع خلاق نقدمه له، ردًّا لجميله علينا والذي يطوِّق أعناقنا.

ولا شكَّ أنَّ الوطن سيكون مستفيدا، ويتطور إن ارتقت أفكارنا واجتهدنا في أعمالنا؛ فالوطن سوف يتطور معنا، إنَّ لغة الضغائن والأحقاد نار لن تحرق سوى صاحبها، لأن عُمان قوية ويصونها الله من عبث العابثين ويحفظها من كيد الحاقدين.

إنَّ المرحلة المقبلة هي مرحلة التضامن الوطني، ومرحلة تضافر الجهود لتجاوز الأزمة الاقتصادية، والتي يبدأ علاجها من المواطن بزيادة الإنتاجية كل في مجاله، وإيجاد مصادر للدخل تحقق اكتفائه الذاتي لتجاوز آثار هذه الأزمة والتي هي أزمة تلقي بظلالها على جميع الدول التي تعتمد اقتصاداتها على النفط.

إنَّ الضغطَ على أزرار لوحة المفاتيح لتوزيع الاتهامات للوطن ولمسؤولية لن تجدي نفعا؛ لأنَّ المرحله الحالية من عُمر الوطن هي مرحلة البناء والتنوع وليعتمد المواطن على نفسه ويجدد مداخيله المالية والاقتصادية حتى لا يكون معتمدا على على حليب الحكومة، إن سقته ابتسم، وإن فطمته أقام الدنيا بصراخه!

تعليق عبر الفيس بوك