"ولكنّ الله ألّف بينهم"

سليمة المشرفية

حين أقرأ سير العرب قبل الإسلام، وأقرأ مجريات أيّامهم وحروبهم التي كانت تثار لأسباب تافهة، ومبررات غير مسوّغة وتستمر لأربعين عامًا، كما هي حرب البسوس أو حتى قرنًا من الزمان كما هي حرب داحس والغبراء، لا استغرب نزاعاتهم وحروبهم اليوم التي تثار من أجل برميل نفط أو نزوات شخصيّة بحتة!

إنّ الأمّة العربية، أمّة مختلفة غير متفقة، ولقد قال قائلهم ذات يوم: قد اتفق العرب على ألا يتفقوا....

فكيف ما زال البعض يصفق للقوميّة العربية وعلى أي أساس قامت هذه القوميّة بعيدًا عن الإطار الإسلامي الشامل؟!

لقد أدرك سيدنا عمر "رضي الله عنه " هذا المعنى العميق حينما قال: "نحن أمّة أعزنا الله بالإسلام، متى ابتغينا العزة في سواه أذلنا الله" ربما يظن البعض أنّ هناك جوامع مشتركة ممكن أن توحدنا دون الإسلام والقرآن كاللغة مثلا والعادات والتاريخ المشترك..

لا شك أنّ هذه الأمور لايجوز إغفالها، وهي أسس وعوامل تزيد الترابط قوة، ولكن ليس بوسعها أن تجمعنا بعيدا عن الإسلام، لأنّ لغتنا كانت ولا تزال لهجات تكاد لا تفهم بين أبناء الشعوب العربية بعضهم البعض، وأنّ العادات والتاريخ يفرقان أكثر مما يجمعان ولو كان بوسعهما أن يجمعا الشمل العربي ويلملمان شعثه لكانت ألفت بين قلوب أجدادنا الذين كانوا ينحصرون في بيئات منغلقة تزيد من فرص تآلفهم، ولايكاد منهم من يعاشر الحضارات الأخرى إلا قليلا منهم، ومع ذلك لم تفعل هذه الروابط المشتركة في قرون ما فعله الإسلام في أعوام!

فكيف اليوم وقد أخذت الحضارات الآسيوية والغربية ببهرجتها بتلابيب قلوبنا فزادت حدة خلافاتنا، وتعمقت حفرة شقاقنا حتى كادت تبلغ الأعناق؟

إنّ الجامع الوحيد الذي يستطيع وبكل قوة أن يجمع هذا الشمل المتمزق ماضيًا وحاضرا ومستقبلا هو الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، والإسلام فقط مهما حاولنا أن نخترع جوامع أخرى غيره..

حقيقة بينها ربنا في كتابه قبل أكثر من أربعة عشر قرنا حين خاطب رسوله قائلا: "لوأنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بينهم ولكنّ الله ألف بينهم"

الله هو الذي ألّف بين المؤمنين بهذا الدين العظيم، ألفة لا يستطيع معها تفرقة المفرقين ومن غير هذا الدين.. فرقة وشقة تعجز دونه رقع المرقعين..

تعليق عبر الفيس بوك