أوراق عمل "الراهن السياسي والمنجز الثقافي العربي" تستعرض أثر تدخل السلطات في توجيه الأعمال الأدبية

تكريم المشاركين في ختام الندوة الفكرية لجمعية الكتاب والأدباء

مسقط - الرُّؤية

تصوير/ مُحمَّد الحوسني

تناولتْ ندوة "الراهن السياسي في المنجز الثقافي العربي"، أمس الأول، الأعمال الأدبية التي أثرت في الأوضاع السياسية في العصر الراهن؛ من خلال دراسة تأثير السياسة بالأدب المتمثل في القصة القصيرة والرواية والمسرح. ونظَّمتْ الندوة الفكرية الجمعية العمانية للكتاب والأدباء -بمقرها بمرتفعات المطار- بمشاركة كُتاب عمانيين وعرب، لرصد ظاهرة تسييس الأدب لتحقيق مصلحة السلطة من خلال التعرض لنماذج أدبية معاصرة منتقاة.

وألقتْ الدكتورة آمنة الربيع كلمة الجمعية، وشكرت كلَّ من ساهم في إنجاح الندوة، وعمد على تحقيق ثوابتها وأسسها التي تمثلت في رصد باكورة الأعمال الإبداعية التي تعرَّضت لقضايا العصر الراهن وبالتحديد الأوضاع السياسية، ودراسة مدى تأثير المتغيرات السياسية على المنتج الثقافي الإبداعي؛ واستعراض النصوص التي أثرت سلبا أم إيجابا على الثورات العربية.

وانطلقتْ أعمال الجلسة الأولى للندوة وأدارتها الباحثة المسرحية عزة القصابية. وشاركت الدكتورة نوال بنبراهيم في الجلسة بورقة عمل حملت عنوان "المسرح العربي والراهن السياسي"، تناولت ورقتها رصد المسرح العربي الواقع السياسي في العالم العربي بعد هزيمة 1967 التي خلفت شروخا في الوعي والوجدان العربيين، فدار في فلك شرح أسباب الهزيمة وإدانة الأوضاع العربية، وزاوج بين تأصيل الشكل الدرامي والتسييس؛ فنهل من المسرح الغربي والنصوص التراثية التي تستجيب لمفاهيم من قبيل النضال والثورة والتحرر، وقد اتخذ منحى قوميا تارة واشتراكيا تارة ثانية ثم ليبراليا تارة ثالثة. وذهبت بنبراهيم إلى التحولات كبرى التي نعيشها اليوم على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي بسبب انهيار المعسكر الشرقي وتراجع أيديولوجياته لصالح البلدان الرأسمالية، وبسب انهيار الأنساق الفلسفية التقليدية، والتطور التكنولوجي السريع الذي انعكست أثاره على العصر.

أمَّا المسرحي العماني خالد العامري فتطرق من خلال ورقة عمل إلى "المسرح السياسي العربي"، والذي أشار من خلالها إلى أن المسرح لم يكن عربيا في بداياته، وإنما كان بمثابة ظاهرة غربية، وهو في أساسه يخدم الواقع السياسي بشتى رسالاته الإيجابية والسلبية. مشيرا بقوله إنَّ الواقع المسرحي العربي بدأ في اجتذاب عناصره من الغرب. وانتقل العامري إلى المسرح العربي وقدم العديد من الأعمال منوّها أن المسرح السياسي لم يكن جديا بالشكل الذي يتمناه الجمهور في واقعه؛ حيث ظهر -وبشكل واضح- المسرح الهزلي أو الكوميدي الذي لا يقدم أفكارا حقيقة في أغلب توجهاته.

وقدم الدكتور محمد الحبسي ورقة عمل عنونت بـ"المسرح السياسي الخليجي".. وأشار إلى أنَّ المسرح السياسي مسرح تنويري إصلاحي يهدف إلى تغيير المجتمع، مسرح ليس بهدف المتعة والإضحاك والتسلية، ولكنه أداة تهدف للتغيير والإصلاح والمحافظة على الحقوق الطبقات المستضعفة؛ فهي مسرحيات مباشرة وواضحة بعيدًا عن العاطفة. وأضاف الحبسي بأنَّ الفنون -ومنها المسرح- يجب أن تكون حريصة على الاستمرارية في تناول مثل هذه المتغيرات لأجل الإصلاح وليس الهدم، خاصة في ظل وجود مجموعة من المسرحيين الخليجيين الذين يحرصون على استعراض مثل هذه القضايا بشكل أو بآخر، ولكنها في النهاية تساهم في موضوع التنوير المستقبلي، وفي ظل ما يسمى بمقص الرقيب يجب أن تكون هناك حلول تساهم في آلية أن تكون العروض القادمة أكثر تميز وشفافية في استعراض هذا الراهن، ولا يمكننا في الوقت نفسه كما يقال ترك الحبل على الغارب لأسباب كثيرة قد تؤدي إلى نتائج سلبية في ظل التحولات الحالية؛ فالوسطية لأجل الإقناع وسيلة قد تكون لذلك.

واستعرض التحولات والمتغيرات الراهنة بمختلف مضامينها والتي يمر بها العالم العربي والإسلامي وقال بأنها شك مصدر مهم لتغذية هذا المفهوم، ولتقييم أعمال تعبر عنها؛ من خلال طرح الرؤى المناسبة لأجل الوصول إلى الأفضل، وكل ما يمكن أن يُسهم في تعزيز الوحدة العربية والإسلامية والمحافظة على ثرواتها ومكانتها واستقرارها والمحافظة على الإنسان وحقوقه أينما كان، والقضاء على كل أشكال الفساد وعدم إتاحة الفرصة للآخرين.

وعرض الدكتور حميد الحجري ورقة عمل حملت عنوان "صور المقف في الرواية العربية.. من الفكر إلى الجدل"، وتطرق الحجري إلى علاقة المثقف بالسياسة التي تأخذ أوجه عدة، أبرزها علاقته بالنظام السياسي الحاكم. ووفقًا لها، يقف في الغالب أحد المواقف الآتية: فإما أن يكون "مع" النظام الحاكم، ويستحق عندئذ لقب "مثقف السلطة". وإما أن يكون "ضد" ويندرج في خانة "المعارض السياسي". وإما أن يكون محايدًا فيطلق عليه وصف "المثقف المستقل". مشيرا الحجري أن في ضوء هذه العلاقة ثلاثية الأضلاع- قرأنا جزءًا يسيرًا من النتاج الروائي العربي المشتغل بالجانب السياسي الواسع جدًّا. وأول ما لفت نظرنا انعدام الروايات المكتوبة من وجهة نظر "مثقف السلطة"، أو ندرتها وانخفاض قيمتها الفنية إذا ما كانت موجودة، لذلك لم تشتهر ولم نطَّلع عليها، وهو ما يستحق التوقُّف والقراءة المتعمِّقة. وتحضر روايتا عبدالرحمن منيف "شرق المتوسط" و"هنا الآن أو شرق المتوسط مرة أخرى" ورواية محمد عيد العريمي "حزّ القيد" ورواية الطاهر بن جلون "العتمة الباهرة" لتكون نماذج على الروايات المكتوبة من وجهة نظر "المعارض السياسي". ونضع في زاوية "المثقف المستقل" -على شيء من التوسُّع- ثلاثية تركي الحمد أطياف الأزقة المهجورة: "العدامة"، و"الشميسي" و"الكراديب"، ورواية حسين العبري "الوخز"، رواية سليمان المعمري "الذي لا يحب جمال عبدالناصر"، وروايات أخرى لا تحضر فيها السياسة باعتبارها المحور الأساسي ولكنها تحظى بحضور جيد، مثل رواية عبده خال "لوعة الغاوية"، ووفق المنظورين الثاني والثالث قرأنا الروايات المذكورة من حيث: أيديولوجياتها أو رؤاها السياسية، وأدواتها الفنية في التعبير عنها، ومن حيث موقعها على خارطة المأزق الحضاري العربي الراهن. وفي نهاية الجلسة فتح باب النقاش الذي قدم الكثير الانطباعات والاراء حول الأوراق المقدمة.

الرواية العربية وأزمة الحرية

وانطلقتْ أعمال الجلسة الثانية التي أدارها الباحث علي الرواحي، وقدم الدكتور عبدالله إبراهيم ورقة عمل حملت عنوان "الرواية العربية وأزمة الحرية" وحاول كشف الاتجاهات الكبرى التي شقتها الرواية العربية فيما يخص تمثيل المرجعيات وابتكار الموضوعات؛ فذلك يرسم انخراطها في معمعة الحياة المعاصرة على أفضل ما يكون الانخراط والمشاركة، وأشار في حديثه إلى أن قضية "الحرية" ظلت خلف الحركة السردية فيها، فقد خرجت الشخصيات على النمطية الامتثالية، وتفككت الأحداث المتماسكة، وانهارت القيم التقليدية الداعمة لوظيفة السرد، وتوسّع مكان الأحداث فلم يعد مقيدا بالحدود الوطنية أو القومية، وانهارت مقومات الحكاية الوعظية، وانسحب الرواة من أدوارهم الفاعلة في العالم الافتراضي، وانتهوا شهودا على أحداث كبرى، أو باحثين فيها. وبالإجمال، توارى السرد الذي يؤتى به لبناء حكاية اعتبارية، وبكل ذلك استبدل سرد جريء كاشف لأحوال العالم لا يوفّر تقديسا لعُرف، ولا يوقّر تركة موروثة.

وقدم الدكتور عزت عمر ورقة عمل بعنوان "البطل في الرواية العربية السياسية" وأوضح أن مصطلح البطل الروائي لا يختلف عن مصطلح الشخصية إلا في حدود الدور، إلا أن دوره قد يرتقي لا سيما إذا احدث أثرا في محيطه، متحدثا عن أن الرواية السياسية ترتبط عموما بالراهن، وهذا يعني ارتباطها بزمانها وبزاوية رؤية مؤلفها وموقفه من جملة الأحداث الكائنة في مكان ما، وعلى نحو خاص الموقف من الاحتلال الأجنبي أو السلطة القمعية الواقع من جملة المشكلات، ولا تجد وسيلة أخرى لحلها سوى ممارسة العنف بأشكاله المختلفة.

وقدَّم الباحث كريم رضي ورقة عمل بعنوان "الزمكانية وعلاقتها بالحدث السياسي للقصة القصيرة"، وتطرق إلى العديد من الأعمال الأدبية في الاطار ذاته على سبيل المثال مجموعة قصصية مشتركة كانت هي الأولى من نوعها في البحرين اتخذت اسم (سيرة الجوع والصمت). وقد شارك في المجموعة القصصية كلٌّ من: محمد عبدالملك وعبدالله خليفة ومحمد الماجد وخليفة العريفي وخلف أحمد خلف، مرورا بالكاتب محمد عبد الملك في مجموعته القصصية الأولى "موت صاحب العربة"؛ باعتبارها من أولى المجموعات القصصية الفردية الحديثة. ومجموعة موت صاحب العربة للكاتب محمد عبد الملك وهي تضم اثني عشر قصة قصيرة. تروي القصة الأولى (زمن) قصة مقتل طالب شاب برصاص الشرطة في مظاهرة مناهضة للاستبداد والاستعمار الانجليزي وانعكاس هذه المأساة على الناس من حول الشباب القتيل في الحي وتحديدا انعكاسها على أبيه الذي يدفن حزنه في نارجيلته التي لا يفارقها إلى ألأبد.

أما الأدبية فاطمة العلياني فعرضت ورقة عمل نيابة عن الدكتورة عزيزة الطائية وحملت عنوان "الخصائص العامة للقصة القصيرة في ظل الثورات العربية"، وقدمت الورقة رؤية حول القصة العمانية القصيرة في السنوات الأخيرة، التي بدأت تخطو خطوات واضحة، وبدت بصماتها في عالم الأدب العُماني والعربي على حد سواء، ومهما يكن من أمر، فمن الطبيعي أن يعكس الكاتب أبعاد واقعه عبر الشّخصيات التي ينتقيها، سواء عن طريق رصد معالم واقعه الباطني بالنّظر إلى دواخل الذّات الإنسانية، أو عن طريق تسجيل أبعاد عالم خارجي تتحدد عن طريق الاتصال بالسلوك الذّاتي للإنسان. وفكرة الشّخصية وعلاقتها بالذّات التي نحن بصدد دراستها، حددت هذه الرؤى، وتلك المفاهيم عبر المشهد الرّاهن، وخلخلة الواقع؛ مع تباين في طرق التّعامل مع عناصر البناء الفني للقصة، وتناولت الورقة الشخصية في نصوص حديثة مهمة من النصوص القصصية العمانية، قدَّمت وجهات نظر مختلفة عن صياغة الذات الإنسانية، والهوية الثقافية وعلاقتها بالمشهد الرّاهن.

وفي نهاية الجلسة، قدم الدكتور سمر الفيصل ورقة عمل بعنوان "الشخصية في المنجز القصصي السياسي"؛ أشار فيها إلى أن الشخصية في المنجز السياسي يقصد بها ما صنعته لغة القاص على هيئة الإنسان القادر على ابتداع الحدث القصصيّ والتّفاعل معه، وتجسيد فكرته. هذه الشخصيّة الفنّيّة التي صنعها القاصّ باللّغة تختلف عن الإنسان في الواقع الخارجيّ الحقيقيّ في أنّها معروضة من جانب واحد ضيِّق مناسب للحدث أو الفكرة التي يرغب القاصّ في التّعبير عنها، وليست معروضة من جوانبها كلّها. أمّا متعلّقاتها، كالاسم والصِّفات الجسديّة والأخلاقيّة، التي تحاكي الإنسان في الواقع الخارجيّ المحيط بالقاصّ وقرّائه فالغرض منها إيهام المتلقّي بأنّه يقرأ شيئاً حقيقيّاً عن إنسان حقيقيّ. وفي الختام قام الدكتور محمد بن مبارك العريمي عضو مجلس إدارة الجمعية بتكريم المشاركين في الندوة.

تعليق عبر الفيس بوك