التدخل العسكري الروسي في سوريا زاد الصراع تعقيدا وأضاف لعدد الضحايا 250 ألف قتيل

إسطنبول - الأناضول

تصدَّر التدخل العسكري الروسي في سوريا، أبرز الأحداث في مسار أزمة سوريا بنهاية عام 2015، عبر خوض روسيا الحرب لصالح النظام، بعد أن كانت مكتفية بدعمه سياسياً ودبلوماسياً، وتقديم السلاح له. وشهدت نهاية العام حراكاً دبلوماسياً مكثفاً لإيجاد حل سياسي للأزمة، عبر جمع الأطراف المتصارعة على طاولة المفاوضات، في الوقت الذي شهدت فيه بداية العام وحتى منتصفه، بطئاً شديداً في جهود الأطراف الفاعلة لإيجاد الحل المنشود.

وبعد الهزائم المتتالية التي مني بها النظام، منذ الربع الأول من 2015 وحتى بداية ربعه الثالث، أعلنت وزارة الدفاع الروسية مطلع أكتوبر الماضي، عن قيام طيرانها بأولى غاراته في سوريا، وقالت حينها إن الغارات الجوية استهدفت مواقع تنظيم "داعش".

ومع استمرار غارات المقاتلات الروسية في سوريا، أعلن مسؤولون في الولايات المتحدة وحلفائها والمعارضة السورية، أن 90% من المناطق، التي استهدفتها المقاتلات الروسية، لا يوجد بها مواقع لتنظيم "داعش"، بل استهدفت تجمعات فصائل عسكرية مناهضة للأسد، والجيش السوري الحر.

وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في منتصف ديسمبر الجاري، تقريراً بعنوان "جاءوا لقتلنا"، وثقت فيه الهجمات "الروسية"، إضافةً إلى "ضحايا هذه الهجمات". وذكر التقرير أنه "ومنذ 30 سبتمبر، وحتى 1 ديسمبر، من العام الحالي، بلغت الهجمات الروسية، ما لا يقل عن 138 هجمة، استهدفت 111 موقعاً، منها مناطق المعارضة المسلحة، (101 مدنية، و9 عسكرية)، واستهدفت 27 هجمة فقط، مناطق خاضعة لتنظيم داعش".

واعتبرت الهيئة السياسية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أنَّ "التواجد الروسي على أرض سوريا لحماية بشار الأسد من السقوط، لا يخدم الحل السياسي في سوريا، وأن روسيا لم تكن وسيطاً في وقت من الأوقات، بل شريكاً للنظام، وأن هذا التواجد العسكري سيؤدي إلى تعقيد الوضع السوري، وتفاقم المعاناة وزيادة القتل والتدمير".

وأصدرت منظمة العفو الدولية، الثلاثاء الماضي، تقريراً؛ أكدت فيه أنَّ الغارات الجوية الروسية التي تستهدف الأماكن السكنية في سوريا، وتتسبب بمقتل المدنيين "بمثابة جرائم حرب". وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أنَّ الطائرات الروسية تستهدف المناطق السكنية والمساجد والأسواق والمستشفيات، لافتة إلى وجود أدلة واضحة على انتهاك روسيا للقوانين الدولية.

وعلى المستوى السياسي، نظمت موسكو في (26-29) فبراير اجتماعاً تشاوريا سورياً، لمن وصفتهم "ممثلون عن النظام والمعارضة" الذين اختارتهم بنفسها، فيما رفض الائتلاف الوطني السوري المعارض -أكبر مظلة معارضة- المشاركة في هذه الاجتماعات لكون روسيا طرف داعم للنظام.

ثم عقد لقاء "موسكو 2" التشاوري السوري في (6-9) أبريل الماضي، وانتهى بالفشل، حيث ألقت المعارضة، التي شاركت المسؤولية على وفد النظام، وأعلن حسن عبدالعظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطني في سوريا، أمام عدد من وسائل الإعلام، أن اللقاء فشل بسبب سلوك وفد النظام، وعدم موافقته على مناقشة وإقرار إجراءات بناء الثقة المطلوبة لاختبار جدية النظام.

وفي الربع الأخير من العام 2015، عقدت اجتماعات دولية عديدة حول الأزمة السورية، وشهدت الدبلوماسية الدولية تقارباً حول الأزمة السورية، لم يحصل منذ نحو عامين، حيث عقدت الأطراف الفاعلة في الأزمة، من دون السوريين، عدة اجتماعات في العاصمة النمساوية فيينا، وآخر في مدينة نيويورك الأمريكية.

وقد استضافت العاصمة النمساوية فيينا، في 23 أكتوبر الماضي، اجتماعاً رباعياً، شارك فيه وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، لمناقشة سبل إيجاد حل سياسي للملف السوري، تلاه اجتماع ثان في 29 من نفس الشهر، لكن الخلافات مع روسيا بقيت قائمة، حسبما صرح وزير الخارجية السعودي، بعد انتهاء الاجتماع.

واستمرت الجهود الدبلوماسية الدولية بعد ذلك، حيث عقد في فيينا اجتماع موسع، في 30 أكتوبر الماضي، عرف باسم "اجتماع فيينا 1"، لـ"المجموعة الدولية لدعم سوريا"، ضم وزراء خارجية 17 دولة (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وتركيا، والصين، ومصر، وفرنسا، وألمانيا، وإيران، والعراق، وإيطاليا، والأردن، ولبنان، وعُمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وبريطانيا) إضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية. وشهد الاجتماع مشاركة إيران للمرة الأولى في محادثات دولية حول الأزمة السورية.

وفي 14 نوفمبر الماضي، عقد اجتماع "فيينا2" للمجموعة الدولية لدعم سوريا، وأعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، عقب الاجتماع، أن وقف إطلاق النار وانتخابات وطنية حرة ونزيهة تحت إشراف دولي ستكون بداية لعملية سياسية جديدة في سوريا، تتضمن مرحلة تفاوضية مدتها ستة أشهر، لتشكيل حكومة شاملة الصلاحيات التنفيذية، تليها مرحلة انتقالية مدتها 18 شهر، تشرف على إعداد دستور جديد، وتنظم انتخابات عامة.

وقال كيري إن المشاركين في الاجتماع وافقوا على خارطة طريق لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا، وتضمن البيان الختامي للاجتماع، أن "الأمم المتحدة سيكون لها دور رئيسي في العملية السياسية، لاسيما فيما يتعلق بمراقبة وقف إطلاق النار، وتنظيم عملية الانتقال السياسي، ووضع دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة". واعترف كيري، مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، بأنه لا يوجد اتفاق حول مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، لكنهما أشارا إلى أن الاختلاف حول مصير الأسد، لا يجب أن يعيق البحث عن حل سياسي في سوريا.

وفي الإطار ذاته، اجتمعت المعارضة السورية بمختلف التيارات والأحزاب والفصائل العسكرية والسياسية، بالعاصمة السعودية الرياض في 9 ديسمبر، وخرجت برؤية موحدة لإنهاء الأزمة المستمرة منذ منتصف عام 2011، وجاء في البيان الختامي لاجتماع الرياض أنه تقرر تشكيل "الهيئة العليا للمفاوضات"، والاتفاق على أن "يترك بشار الأسد وزمرته سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية، وحل الكيانات السياسية المعارضة حال تكوين مؤسسات الحكم الجديد".

وأكد المجتمعون أن "الهيئة العليا للمفاوضات سيكون مقرها الرياض، وهي من ستحدد الوفد التفاوضي مع النظام، من أجل البدء بالمرحلة الانتقالية". وعقب اجتماع المعارضة في الرياض، شهدت مدينة نيويورك الأمريكية في 18 ديسمبر، اجتماعاً لمجموعة العمل الدولية لدعم سوريا، اعتبر امتداداً لاجتماعات فيينا. وبعد الاجتماع اتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً أممياً برقم 2254، اعتمد خارطة الحل السياسي وفق بيان فيينا، ودعا إلى "تكثيف الجهود الرامية إلى دعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة على أوسع نطاق ممكن، للانخراط معًا في عملية سياسية، وفقا لما تم التوصل إليه في بيان جنيف 2 الصادر في 30 يونيو 2012 لإيجاد حل سياسي للصراع السوري". وحدد القرار مطلع يناير 2016، لإجراء مفاوضات بين النظام والمعارضة، فيما طالب الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، باتخاذ أربعة تدابير لبناء الثقة بين الطريق، وهي: أولا، وقف استعمال الأسلحة العشوائية ضد المدنيين، بما في ذلك البراميل المتفجرة، التي يستمر استعمالها على الرغم من تعهد الحكومة بالامتناع عن مثل هذه الاعتداءات. ثانيًا، السماح بحرية وصول غير مشروطة وغير مقيد لقوافل المساعدات، حيث اضطر عشرات الآلاف من السوريين في المناطق المحاصرة إلى العيش على أكل الأعشاب والحشائش. وثالثًا، وقف الهجمات على المرافق الطبية والتعليمية، ورفع جميع القيود المفروضة على الإمدادات الطبية والجراحية التي تقدمها القوافل الإنسانية. ورابعًا، الإفراج عن جميع المعتقلين، حيث تشير التقارير إلى أن السجناء يتعرضون للتعذيب ولظروف فظيعة.

وخلال زيارته للصين، قال وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، الخميس الماضي، إن دمشق "مستعدة للمشاركة في الحوار السوري-السوري في جنيف دون أي تدخل خارجي"، حسبما نقلت عن وكالة أنباء النظام (سانا). ودعت الأمم المتحدة، أمس، أطراف الأزمة السورية، إلى الاجتماع بجنيف في 25 يناير المقبل. وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، استيفان دي ميستورا -في بيان- إنه "يعمل حاليا من أجل تكثيف الجهود الرامية لانطلاق المحادثات بين أطراف الأزمة السورية بجنيف في 25 يناير المقبل" مضيفًا أنه "يعتزم إنهاء المشاورات المتعلقة بذلك في موعد أقصاه أوائل يناير". ومنذ منتصف مارس 2011، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من 44 عامًا من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات، ما دفع سوريا إلى دوامة من العنف، ومعارك دموية بين القوات النظامية وقوات المعارضة، ما تزال مستمرة.

وخلفت المعارك أكثر من 250 ألف قتيل، حسب تقارير حقوقية، فيما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقريرها السنوي لذكرى بداية الأحداث في سوريا (منتصف مارس 2011)، أنَّ أعداد اللاجئين السوريين خارج البلاد، تجاوزت 5 ملايين و835 ألفًا، يشكل الأطفال أكثر من 50%، بينما تبلغ نسبة النساء 35%، و15% من الرجال.

تعليق عبر الفيس بوك