سنظل وطناً يخلق الأمل

د. سيف بن ناصر المعمري

نحن على أبواب وداع عام واستقبال آخر، وفي مثل هذه اللحظات تنطلق كثير من الأمنيات في شرق العالم وغربه، جنوبه وشماله.. أمنيات لا يحتكرها أحد، فهي تولد عند كل أحد لاسيما أولئك الذين يسيطر عليهم اليأس، أولئك الواقفون على الحدود، أولئك المشردون عن أوطانهم، ويُخطئ من يعتقد أنّ الإنسان يحيا فقط بالخبز، ولكن يحيا بالأمل أيضا، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.. هذه الفسحة التي لا يحسن تقديرها البعض، ولا يعرفون كيف بإمكان مجتمعات توسعتها. وتغذيتها بآلاف الأمنيات، ولذا لا أعرف لماذا كل هذه القلق الكبير والتواصل الذي يبث يوميًا وفي كل اللحظات حول الوضع الاقتصادي للبلد، حول الصورة القاتمة التي يرسمونها للغد الذي لم يأت، للغد الذي نستعد للعمل على تحقيق كثير من الأمنيات.

أيّها القلقون لا تقتلوا اليوم قبل أن يأتي، ولا تصادروا الأمنيات قبل أن تولد، ولا تعيقوا الحركة قبل أن يبدأ المسير، هذا وطن استمر كل هذه القرون بفضل الإنسان وليس الثروات، بفضل الأمل الذي يخلقه الإنسان مع كل صباح من صباحاته سواء كان على جبل شاق متعرج التضاريس مثل الجبل الأبيض أو الجبل الأخضر أو كان يركب موجا مضطربا في المحيط الهندي متّجها للتجارة في موانئه القاصية، أو كان محتلاً من قبل قوة غاشمة ولذا لم يعرف هذا الإنسان القلق حتى في أحلك الظروف، ولو عرفه من كان من قبلكم، لما قاومت البلد كل التحديات، ولما اجتازت كل الأزمات، فإن كنتم لا تستطيعون أن تبثوا أملاً في الغد، فكفوا أنفسكم عن بث كل هذا القلق، هذا أخطر علينا من انخفاض النفط، ومن اضطراب الإقليم من حولنا، لأنكم تقتلون أي إرادة، وتقضون على أي حلم، ونحن وطن شاب لا يزال يحلم بما لا تتخيلون، فدعوا الشباب يحلمون، وحفزوا لديهم الدافعية لتحقيق أحلامهم، بثوا فيهم الروح التي تجعل أحلامهم حقيقة، علموهم أن يصموا أذانهم عن كل أولئك الذين يبثون اليأس في كل لحظة من لحظات يومهم.

أيها اليائسون، أيّها القلقون الخائفون على عمان، علينا أن نستقبل العام بآمال كبيرة، لأنه مر علينا عام استطعنا فيه أن نحافظ على وطننا من كل هذه السموم التي تُبث في المنطقة، من كل هذه الكراهيّة التي تزحف على كل شبر من الأرض العربية، تمكننا أن نحافظ على شبابنا وأطفالنا من أن يكونوا وقودًا لأي صراع، من أن يكون ضحيّة لأي مغامرات، لأنّهم هم أملنا وهم قوتنا الحقيقية، ولذا لا تزال البلد تُوسِّع الآمال أمامهم من خلال توسيع فرص التعليم والتدريب، تريدهم أقوياء للعمل على توسعة فسحة الأمل لهم ولأوطانهم، ولذا فلماذا نبث اليأس داخل كل هذه الأنفس في هذه اللحظات لماذا لا نبث فيهم الإرادة ونشعل داخل قلوبهم جذوة التحدي، التحدي ليس من أجل تحقيق آمالهم ولكن من أجل تحقيق آمال هذا الوطن.

أيّها اليائسون، أيّها القلقون الخائفون على عمان، مضى عام، عمّ فيه الفرح في كل أرجاء عمان نتيجة رجوع صاحب الجلالة السلطان المعظم من رحلته العلاجية، وبث في البلد فرحا فاق حجم الفرح الذي انبعث في كل السنوات، ولو لم نعرف في هذا العام إلا هذا لكفانا لنجدد الأمال ولنزرع في الغد الأحلام؛ لأنّ هذا الحدث بث الاطمئنان في كل القلوب، فما بالكم إذا كان هناك العديد من الأحداث والتطورات والمشاريع التي خرجت للنور، خلال هذا العام..

نحن نتاج أحلامنا، وكل ما يمكن أن تقوم به الحكومات والشعوب هو توسيع دائرة الممكن، أليس هذا الأمن والاستقرار توسيعا لهذا الممكن الذي يُمَكِّن من عمل الكثير في هذا العام؟

أيّها اليائسون.. أيّها القلقون.. الخائفون على عمان، تبثون الحيرة في داخلي من كل الأحاديث والتحليلات التي تطرحونها كل يوم في شبكات التواصل وتتداولونها وكأنّها تحمل بشائر الخلاص من كل الأزمات، اكتفيتم بالصدى وتركتم المبادرة، لتغذية كل الآمال والطموحات، وإن كان البلد سيواجه تحديات نتيجة انخفاض النفط؟ فماذا أنتم فاعلون في التغلب عليها، أليست البلد هي بلدكم، ومسؤولية النهوض هي مسؤوليتكم، فماذا كنتم ستقولون لو وُجدتم عندما كانت البلد تعاني من حرب وانقسام، ولا يوجد بها أي مظهر من مظاهر التنمية؟ ماذا كنتم ستعملون؟ هل كنتم ستغلقون عليكم أبواب بيوتكم وتقولون للجميع ألا أمل لأنّ المهمة مستحيلة، ولا يمكن عمل أي شيء؟ لو فكر الذين كانوا في ذلك الوقت بمثل الأفكار التي نفكر بها اليوم لكانت هذه البلد لا تزال في عتمتها، ولا وجدنا هذا الوطن اليوم الذي يحتاج إلى إخلاص الإنسان وإرادته أكثر من أي شيء آخر.

أيها اليائسون.. أيّها القلقون.. الخائفون على عمان، لماذا كل هذه الخشية على التوظيف؟ ونحن في بلد يعمل بها مليون و(570) ألفاً و (132) عاملاً وافدًا في القطاعين الحكومي والخاص، حسب إحصائيات المركز الوطني للإحصاءات والمعلومات الصادرة في أول أغسطس 2015، أليس الحل هو المبادرة إلى قيادة هذه الأنشطة الاقتصادية التي تدر دخلاً كبيرا والتي سُلمت إلى هؤلاء الوافدين يديرونها لصالحهم، أليس الحل هو استعادة مزارع ساحل الباطنة؟ أليس الحل هو استعادة القوارب التي تعمل في البحر؟ إذن ثمة آلاف من الفرص التي يمكن أن نوسع بها فسحة الأمل، وهي الفرص التي كان يستغلها أجدادنا وآباؤنا قبل أن يظهر القطاع الحكومي بمؤسساته ووظائفه المتعددة، فلماذا نيأس في بلد به كل فرص العمل تلك؟

أيّها اليائسون..أيّها القلقون.. الخائفون على عمان، الخوف ليس من انخفاض أسعار النفط، فهذه الأسعار كانت على الدوام متأرجحة لا ثبات لها، فمرة تكون مرتفعة، ومرات تكون منخفضة، لكن الخوف علينا من أنفسنا، من هذه اللامبالاة التي نعيشها في أماكن العمل، حيث العمل بأقل جهد يمكن، وحيث الساعات اليومية تهدر بطريقة مخيفة، وحيث معظم الأعمال تُؤدَّى بصورة مبتورة، وحيث توظف كثير من مستلزمات ومتطلبات العمل بصورة غير أمينة، أليس لهذا ثمن باهظ يدفع من الموازنة العامة للدولة، ألا يستحق هذا منّا أن نلتفت إليه بجدية من أجل أن نُوسِّع من فسحة العمل التي تضيق نتيجة كل هذه الطروحات اليومية.

أيها اليائسون.. أيّها القلقون.. الخائفون على عمان، نحن في النهاية لابد أن نعمل، ولا يمكن أن نعيش على النفط، ولابد أن نستعيد التوكيلات التي منحناها لغيرنا للعمل نيابة عنا، ولابد أن نتحلى بالمسؤولية بدرجة كبيرة عند اتخاذ قرارات جلب عمالة لا نحتاجها، ولابد أن نتحلى بالمسؤولية ونحن نتعلم، ونحن نعمل، ونحن نتعامل مع ممتلكاتنا العامة، وأن نسعى أن نوجد حلولا بأنفسنا لا أن ننتظر الحلول من الحكومة فقط، لأن حلول الحكومة - رغم أنّ كثيرين يطالبون بها - فقد لا يرضى الجميع بها، هذا وقت التحلّي بالمسؤولية، هذا هو قت توسيع فسحة الأمل، نحن مجتمع كان الإنسان فيه هو سر تفوّقه وقوته، وإن كان البعض قلقون فهذا يعني أنّ الإنسان لدينا ليس هو الإنسان الذي كان، لا في قوته ولا في استعداده ولا في تحديه.

أيّها اليائسون.. أيّها القلقون.. الخائفون على عمان، أنّ الذي يهزم المجتمعات ويهزمها ليس النفط والموارد، إنّما تدهور القيم الإنتاجيّة والإنسانية، علينا أن نعيد النظر في قيمنا، فلا يعقل أن تنتشر كل هذه الكراهيّة والتحاسد، والفردانية، وعدم الإتقان، وضعف الأمانة، والإخلاص، أليس هذا الذي يدعو للقلق، أليس هذا الذي يدعو للقلق، ويتطلب معالجته لكي نوسّع فسحة الأمل؟







تعليق عبر الفيس بوك