عندما يلبس أوباما طاقية بابا نويل

عبيدلي العبيدلي

في آخر خطاب له قبل أن يبدأ عطلته السنوية، دافع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عن "إستراتيجية إدارته في مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم "داعش"، وأشاد بإنجازات إدارته خلال العام الحالي بما فيها المفاوضات مع كوبا وإيران، وكذلك اتفاق الميزانية الذي أقره الكونجرس قبيل بدء مؤتمر أوباما". ولم ينس أوباما دعوة "الأمريكيين إلى التحلي باليقظة والحذر، مؤكدا أنَّ السلطات تعمل كل ما يمكن لضمان حماية الأمريكيين، (لكنه أقر) بصعوبة منع جميع الهجمات الإرهابية التي تنفذها الذئاب المنفردة". وأنهى أوباما خطابه بطمأنة الأمريكيين "إن تدمير داعش في سوريا والعراق" سيجعل من الصعب على التنظيم نشر إرهابهم ودعايتهم في بقية العالم. وفي الوقت نفسه يجب أن نظل يقظين في الداخل".

هناك الكثير من المخاتلات في خطاب الرئيس الأمريكي، كأن يطمئن شعبه بنجاح إدارته في تدمير "داعش"، ثم يعقب ذلك بدعوة عالية النبرة تحذرهم من الاطمئنان، وتحثهم على أخذ الحيطة والحذر. وعلى نحو مساو، لا يكف عن التشدق بإنجاز إدارته بشأن ما تم الاتفاق عليه مع طهران وهافانا.

ربما يُهلِّل الأمريكيون، وهم في غمرة استعدادهم لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة بما ورد في ذلك الخطاب، لكن التوقف بعض الشيء عند مفرداته، وقراءتها بعين سياسية مجردة غير منفعلة، تكشف أن تحت غطائها الكثير من مظاهر الوهن التي باتت تنخر عضلات المارد الأمريكي الذي خرج من قمقمه إثر الحرب الكونية الثانية، ونجح في تفكيك الاتحاد السوفييتي في العقد التاسع من القرن الماضي، كي يفرض سياسته التي تعتمد على علاقات دولية عالمية أحادية القطب.

ولو بدأت تلك العين القارئة بتمعُّن لما جاء به الخطاب وصاحبه، فأول محطة ستتوقف عندها هي الاتفاقيين مع إيران وكوبا. لا شك أن في ذلك الاتفاق بعض القيود التي ستحد من السياسة المعادية لواشنطن التي تنهجها العاصمتان، لكن في المقابل ماذا قدمت واشنطن مقابل ذلك الاتفاق الذي يعتبره أوباما "إنجازا"، لكنه في حقيقة الأمر نصر محدود قدمت مقابله واشنطن الكثير من التنازلات، إن لم تكن من جيبها الخاص، فمن المؤكد أنها كانت من جيوب حلفائها الإستراتيجيين في المنطقتين: الشرق أوسطية، والأمريكية اللاتينية.

ما يهمنا نحن كعرب، هي تلك التنازلات التي "انتزعتها" طهران مقابل الاتفاق بشأن مشروعها النووي مع مجموعة (5+1) التي تقودها الولايات المتحدة، بقيادة واشنطن. أول تلك المكاسب الإيرانية هو القبول بنسبة عالية مما جاء في المشروع الإيراني تجاه الصراعات الدائرة في كل من العراق وسوريا. فمن وجهة النظر الإيرانية الإستراتيجية، ينبغي أن يبقى هذان البلدان العربيان في أقصى حالات الضعف اللذين يمكن إيصالهما لها، خاصة على المستويين العسكري والاقتصادي. حتى سوريا ذاتها، لا تريد إيران أن ترى نظاما سوريا كحليف قوي، بل تؤثر أن تراه ضعيفا يسير في دبر مشروعاتها الشرق أوسطية. والأمر ذاته ينطبق على العراق الذي هو الآخر تريده أن يكون جبهة محاذية تابعة وضعيفة.

الأمر ذاته يزداد سوءًا عندما نصل إلى ضفاف الخليج العربي، حيث كان من نتائج الاتفاق مع مجموعة (5+1)، هو الاعتراف بحضور إيراني متميز على حساب الدول الخليجية الأخرى، عندما يتعلق الأمر بإعادة ترتيب منطقة الخليج العربي. ولعل ما يجري من معارك استنزافية طاحنة للطرف العربي فيه الكثير من المؤشرات التي تؤكد على ما يصبو إليه هذا الاتفاق الأمريكي-الإيراني.

ومن هنا، فربما يتم القضاء على "داعش" أو تحجيم عملياتها، لكن الأهم من ذلك هو الإجابة عن السؤال: من هي القوى الإقليمية الشرق أوسطية التي ستقع ثمرة هذا الواقع الداعشي الجديد في أحضانه؟

اتجاه أحداث المنطقة يؤكد أنَّ سقوط تلك الثمرة لن يخرج من أحد حجرين: تل أبيب أو طهران، أو كليهما معا وفقا لنسب العلاقات التي تربطهما مع واشنطن. هذه النهاية لا تجعلنا ندافع عن "داعش"، أو شجب مشاريع القضاء عليها.

هذه المحصلة النهائية للمحادثات التي يتشدق بها الرئيس الأمريكي، ربما تلقي عن كاهل الاقتصاد الأمريكي المترهل بعضا من الأعباء، لكنها من غير شك تدلل عل تراجع كبير في السياسة الهجومية التي تبنتها واشنطن في سياق تطبيقها لدبلوماسيتها الدولية القائمة على الأحادية القطبية.

وليست الصورة أفضل عند الحديث عن واقع الاقتصاد الأمريكي الذي لا يكف أوباما عن التباهي بما حققته دورتي رئاسته من نتائج إيجابية على هذا الصعيد، في حين تشير كل الدراسات إلى أنه لا يزال يئن تحت أعباء النفقات الضخمة الناجمة عن المشاركة العسكرية الأمريكية المباشرة وغير المباشرة في أصقاع العالم بدءا بسوريا مرورا بالعراق، وصولا إلى أفغانستان، كما أن الخزينة الأمريكية لم تتوقف عن ضخ أموال طائلة كي تنقذ بعض المؤسسات الأمريكية، ذات الأهمية الإستراتيجية للاقتصاد الأمريكي منذ أزمته البنيوية في العام 2008.

ومن حق أوباما أن يضع قلنسوة "بابا نويل"، كي يمارس دوره الذي يفاجئ أطفال العالم بهداياه ليلة الميلاد، ومن حق المواطن الأمريكي ألا يفقد ثقته في رئيسه، رغم الويلات التي جلبتها فترة رئاسته. لكن ليس من حق أي منهما أن يطالبنا بالقبول بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط التي، لا يهمنا كثيرا كونها تعترف بالمزيد من الهزائم أمام أعدائها، لكننا معنيين كثيرا بتداعيات الاتفاقات التي تعقدها واشنطن مع أولئك الأعداء، عندما تمس نتائج تلك الاتفاقات مصالحنا كعرب، وتشكل تهديدا مباشرا لوجودنا والمساحة التي سوف نحتلها على جسد أية خارطة جديدة يجري التحضير لها اليوم، وقبل أن يحمل أوباما كيس هداياه أو يتوجه إلى بيته كي ينعم بعطلة ميلاد سعيدة، وعام جديد.

تعليق عبر الفيس بوك