المساواة بين الجنسين من زاوية مغايرة

مريم العدويَّة

مرَّ وقتُ طويل على طرح قضية مساواة المرأة بالرجل، وعلى الرغم من أن نظرة المنادين بتلك المساواة قاصرة؛ حيثُ سعوا إلى أن تنال المرأة حقوقها مناصفة مع الرجل بغض النظر عن الاختلاف البيولوجي والسيكولوجي لكل من الجنسين، إلا أن العامة ومع رفض بديهي في البداية انجرفوا أخيراً مع تلك الدعوة، بل وبات من التخلف والرجعية مخالفتها!

وعلى عكس ما قد تحسبهُ المرأة انتصاراً لصفها، فقد كان الأمر وبالاً عليها من ناحية أخرى؛ فالمساواة جعلتها تتخلى عن الكثير من حقوقها الطبيعية، بل وتعدى ذلك إلى حملها فوق طاقتها وفتح نافذة الرياح العاتية على حياتها في الكثير من الأحيان. وها هنا بات من الصعب عليها حمل الكفتين؛ فهي من ناحية تحاول التماشي مع العصر، ومن جانب آخر تجد أن ما كسبته زائف في حقيقته!

ولكي نعود لتصحيح ما حدث علينا أولاً إدراك الفروق الطبيعية التي بين الجنسين والتي لا تنقص من قدر أو قدرات أي منهما. ومنها علينا أن نقف على الحقوق والواجبات مراعين احتياجات وقدرات كل من المرأة والرجل.. فالمساواة تعني أن المرأة العاملة -على سبيل المثال لا الحصر- هي أم حاضنة؛ لذا على جهة عملها أن تقدر ذلك وتوفر لها البيئة المناسبة التي تكفل لها من يرعى أطفالها أثناء عملها. كما أنَّ المساواة تعني أن تتوافق طبيعة التخصص العلمي الذي تدرسه المرأة مع قدراتها على التعامل مع بيئة عمله في المستقبل. لا أن يتشدق البعض أولاً بالمساواة ويفتح كل الأبواب بلا تقدير وحساب للمرأة باسم المساواة ومن ثم يتركها حيرى مع مشاكل لا تنتهي. وتلك الأمثلة التي أسلفنا ذكرها ليست سوى القليل من الكثير، وهو ما يؤدي بدوره إلى تعطيل بيئة العمل من ناحية أخرى؛ فعلى الرغم من وجود الموظفة مثلاً التي كان بالإمكان في كثير من الأحيان أن تقوم بمهام كثيرة ترفع من مستوى العمل إلا أن مدير العمل عليه دائماً أن يضع في الحسبان كونها امرأة؛ فهي غالباً ستعتذر عن السفر والمناوبة والأعمال في مواقع العمل الخارجية أو تلك المهام التي تتطلب جهداً جسديا يفوق قواها. ونجد أن المفارقة تكمن في وجوب استمرار المساواة المالية كالعلاوات في مثل هذه الأعمال! وفي هذا بكل تأكيد ظلم لكل من الرجل الذي يجد كونه من ضمن طاقم به عدة نساء عليه حمل العبء عنهن، ومن جانب آخر للمرأة التي لا تستطيع تطبيق ما درست في أرض الواقع، وهنا نقصد تلك التخصصات العلمية التي لم يستنكر المجتمع ولوج الطالبات إليها ومن جانب آخر لم يوفر بيئة العمل المناسبة لهن فيها.

وعلى المرأة أن تعي بكينونتها وبكل ما يتعلق بحقوقها وواجباتها إذا كانت تريد فعلاً الأفضل. أمَّا أن تستمر في كل تلك العراقيل التي تؤخر تقدمها وتقدم العمل على حد سواء، ومن ثم تدعي المعرفة والتحضر فليس ذلك سوى غباء وجهل.

وللأسف هذا هو الذي تعاني منه مجتمعاتنا العربية خاصة في هذه الفترة الراهنة بالتحديد. ففي كثير من الأماكن لم يضف تعليم المرأة وعملها شيئا يذكر لها؛ لأنها وضعت نفسها في إطار قاصر ومن ثم صدقته! ومنذ فترة ليست بالقليلة أذكر أن أحد الدول المجاورة أثارت موضوع ارتفاع نسبة الشكاوى التي قدمتها نساء متظلمات ضد رجال هم غالباً من أقاربهن قاموا باستغلالهن، وذلك نتيجة جهل مثل هذه الفئة من النساء بأبسط حقوقهن في إدارة أموالهن واعتمادهن التام على الرجال. فما نفع العلم إذا كان سيفضى بالمرأة إلى طاحونة مال تدره على الرجل مقابل جهد إضافي ليس إلا!

إنه حقاً من المخجل أن تبقى المرأة في شرنقتها تلك التي صنعتها بنفسها جراء الجهل، وتنتظر من يمد لها يد الأمان بينما الحل يكمن في يدها، فمتى ما تسلحت المرأة بالعلم عملت به فبكل تأكيد ستبقى دائما في أمان.

المساواة ليست نظريات ومحاضرات وكلاما منمقا، وإنما هي شريعة حياة تضمن للجنسين الحياة الهانئة بشراكة واحترام، ولقد كان الإسلام دائماً حاملاً لهذا الفكر ولم يهمل يوماً حقاً من حقوق الإنسان أيَّا كان جنسه أو صفاته، وإنما هي أهواء البشر الطائشة وعقولهم القاصرة من تتخبط وتحسب أنها تصيب.

تعليق عبر الفيس بوك