الصندوق الوطني العماني للموارد البشريّة

خلفان الطوقي

عرف العمانيون منذ أحقاب التاريخ اﻷولى بالتجارة، لكن العديد منهم اليوم يصادف صعوبات جمة في استقدام القوى العاملة بمختلف مستوياتها المهاريّة، ومعظم من تتحدث إليهم ستجد عندهم همومًا حول هذا الموضوع، حيث أصبح العديد منهم مهددا بإغلاق تجارته أو محاولا إيجاد حلول وقد يعترف بأنّها تحايلية؛ هذا فيما يخص الاستثمار الداخلي، والحال يصبح أكثر تعقيدا عند الحديث عن جذب الاستثمارات الخارجيّة، فمروجو جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة كمؤسسة "إثراء" وغرفة التجارة وصناعة عمان ووزارة التجارة والصناعة والمناطق الصناعية لا يقدمون أجوبة صريحة لموضوع العمالة اﻷجنبية، ويقف هذا الموضوع الحساس حجر عثرة أمام أي توسّع استثماري من داخل السلطنة أو من خارجها. أتساءل في هذا الوقت العصيب وأسعار النفط تتهاوى: هل سنقف صامتين ومكتوفي اﻷيادي والتفكير، ونندب حظنا، ونصاب بالصاعقة، وننتظر مفاجآت قد تكون سارة أو أكثر ألما، أم نحاول إيجاد حلول إبداعيّة وابتكاريّة وعصريّة وديناميكيّة تتناسب مع سرعة المتغيرات والمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية. فمن وجهة نظري أرى أنّه قد حان وقت العمل الجاد والتفكير الاستباقي، كما أرى ومن خلال أزمة النفط الحالية أنه يمكن للحكومة أن تحول هذه اﻷزمة إلى فرصة ذهبيّة لتطويع التشريعات والقوانين قصد بناء مجتمع صلب منتج، ونبذ السياسات الريعية التي تساهم في خلق جيل اتكالي، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال حزمة من التشريعات واﻹجراءات والمبادرات التي تقلل من الفوارق الاجتماعيّة بين اﻷفراد، وتبعث برسالة واضحة شفافة مفادها أنّ لكل مجتهد نصيب. وفي هذا المقام، وللتغلب على معضلة جلب العمالة الوافدة للقطاع الخاص، أقترح على اﻷجهزة التشريعيّة والتنفيذية في حكومتنا الرشيدة فكرة إنشاء صندوق وطني للموارد البشرية، ينصب تركيزه في مجالات محددة لتنمية العنصر البشري العماني، وأهم هذه المجالات المقترحة بعض التخصصات في التدريب المهني والدورات القصيرة التي يمكن من خلالها المواءمة بين نظرة المواطن وحاجة سوق العمل لهذه المهن؛ويتأتى تمويل هذا الصندوق بواسطة مؤسسات القطاع الخاص، ويكون ذلك بالرسوم المفروضة على جلب العمالة الأجنبية، وبفرض رسوم إضافيّة تذهب مداخيلها إلى هذا الصندوق، إضافة إلى مساهمات مؤسسات القطاع الخاص ضمن برنامج مسؤوليتها الاجتماعية؛ ويمكّن من خلال ذلك أن ننظم التشوّهات الحاصلة حول تواجد وافدين من جنسية أجنبيّة أكثر من غيرهم من الجنسيات الأخرى في بعض المواقع والمؤسسات، والاستفادة تكون بفرض رسوم مضاعفة لبعض الجنسيّات إذا زادت عن الحدود المفروضة من الجهات المختصة، وستظهر آثار تنظيم "كوتة" الجنسيّات بعد عدة أشهر من تطبيق ذلك النظام.ولا أتخيّل أن يتم حل الموضوع الوطني، وهو التعمين الذي يتم تداوله منذ خمسة وعشرين عامًا حتى هذه اللحظة دون اللجوء إلى تطبيق مبادرة رديفة وطنيّة جادة وبمباركة سياسية، وللإنصاف هناك مبادرات خجولة من هنا وهناك؛ كالتدريب على رأس العمل وما شابهها في أكثر من جهة، ولكن لا يوجد توجه وطني واضح للعيان وخطوات تلامس المواطن العادي، وأرى أنّه حان الوقت لتبنّي هذه المبادرة الوطنية التي يمكن تطويرها بما يتناسب والأهداف الوطنية التي يراها المُشرِّع؛ لتكون مستدامة وتحقق أهدافها، وأهمها رفد سوق العمل بالكوادر العمانية المدربة، والتي ستخدم الحاجات الاقتصادية بشكل مستدام لتفادي الحلول الترقيعية والمبادرات الوقتية، والتي من أهم نتائجها الاستقالات المتواترة المسجلة بين صفوف الشباب العماني، وانتقاله من مؤسسة إلى أخرى.

تعليق عبر الفيس بوك