إعلان النفير على العالم العربي والإسلامي.. فأين فلسطين؟

د. يحيى أبو زكريا

قال الله تعالى في محكم التنزيل: "انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"، وقال الرسول الأعظم: "وإذا استنفرتم فانفروا".

يتعرَّض مُصطلح النفير الإسلامي والشرعي إلى عملية تشويه وتحريف عن مرماه القرآني والنبوي والشرعي والعلمائي، وإذا دقَّقنا في سبب نزول آية النفير، سنجد أنَّ الله أمرَ المؤمنين بالنفير لمواجهة الروم في معركة تبوك، وحتَّم الله على المؤمنين -كما يقول ابن كثير- مواجهة الروم على كل حال في المنشط والمكره والعسر واليسر، ويوافق ابن كثير كل من القرطبي والطبري...وغيرهما.

ومدلول الآية أنَّ النفير العام واجب على المسلمين لاسترجاع أراضيهم عندما تتعرَّض جغرافيتهم للاحتلال والهيمنة والاستعمار والتدخل العسكري بنية تطويع القرار السياسي والسيادي لهذه الدولة الإسلامية أو تلك، وتعتبر فلسطين المحتلة والتي كانت أرضا عربية وإسلامية، ثم تعرَّضت إلى حملة إبادة واستئصال وهيمنة من قبل الحركة الصهيونية التي ألحقت هذه الأرض العربية والإسلامية بدولتها الوهمية الدولة العبرية.. أبرز مصداق لما يجب إعلان النفير لأجله.

وقد انحرف عن هذا المسار القرآني ثلة من أشباه الفقهاء وأنصاف المتفيقهين الذين عمدوا إلى ليِّ ذراع النص وطوعوه لمصالحهم الشخصية والسياسية ولمن يدفع أكثر، فأعلنوا النفير سابقا في أفغانستان ثم الجزائر فليبيا وسوريا والعراق...وغيرها من الأمصار العربية والإسلامية. وهنا، نُشير إلى قطعية عدم جواز توجيه النفير إلى الداخل العربي والإسلامي؛ لأنَّ الرؤية القرآنية والنبوية وضعت آليات حلحلة الفتن بين المسلمين على قاعدة الإصلاح والمصالحة والصلح والضغط على الحاكم والمحكوم للقبول بالصلح والصلح خير، كما نص على ذلك كتاب الله الخالد.

وفلسطين التي تتوجع وتذبح من الوريد إلى الوريد لم تحرك ضمائر من يحرصون على إنتاج الفتنة الكبرى في العالم العربي والإسلامي، و لم نسمع الدعاة والعلماء والفقهاء إلا ما ندر يدعون إلى النفير العام من أجل استرجاع أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي محمد والمقام الذي صلى فيه الرسول بالأنبياء جميعا كما تنص العقيدة الإسلامية.

وفلسطين محل إجماع بين العرب والمسلمين والأحرار في العالم؛ فلماذا لا يدعو إلى نفير عام صارم وحاسم وحازم لاسترجاعها وهي التي تَئِن تحت غطرسة الاحتلال، ومتى تسكُت تلكم الأصوات الحريصة على تدمير الداخل العربي والإسلامي. أما آن الأوان أن تنطفئ الفتن في العالم العربي والإسلامي، ويتوجه العربُ والمسلمون جميعا لاسترجاع أقصاهم الأسير.

العالمُ العربي والإسلامي يعيش اليوم وضعا معقدا ومربكا في كل تفاصيله، وقد أصبحتْ الجغرافيا التي تدين بالإسلام من طنجة وإلى جاكرتا، وصولا إلى روافد العالم الإسلامي في معظم القارات عرضة للإحتلال المباشر وغير المباشر عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا وأمنيًّا، وقد كان الاعتقاد السائد أنَّ العالم الإسلامي قد ودعّ وإلى الأبد الحركة الاستعمارية التوسعية الغربية، والتي أرخت بظلالها على عالمنا الإسلامي في القرن الماضي، والتي كانت سببا رئيسيا في تراجع المشروع النهضوي والتنموي العربي والإسلامي، كما كانت السبب في إنتاج نخب أتاحت للفكر الكولونيالي في كل أبعاده السياسية والثقافية والإقتصادية أن يستمر محركا لتفاصيل الدولة الحديثة المستقلة اسما وشكلا. ولا شكَّ أنَّ العالم الإسلامي قد تأثَّر إلى أبعد الحدود بالحركات الاستعمارية والاحتلالية التي جاءت من الغرب بحجة نشر الحضارة والمدنية في واقع كله تخلُّف حسب ادعاءات منظِّري الاستعمار الذين كانوا ملحقين بوزارات الخارجية في العواصم الغربيّة.

وقد لعبتْ المقاومة في كلِّ الدول العربية والإسلامية أكبر الأدوار في طرد المستعمر الأجنبي والتمكين للاستقلال، وصيانة الأوطان ووحدتها، وكان يُفترض أن تبني الأجيال على الإرث المقاوم حتى تتخصن ضد إفرازات الأمركز الزاحفة والتغريب الغازي لكل تفاصيل حياتنا.

ومع استمرار الغطرسة الصهيونية في الأرض المحتلة فلسطين، وسعي المستعمرين القدامى والجدد لتدمير أوطاننا وتمزيقها تصبح المقاومة هي الملاذ لدكدكة مشاريع التقسيم والتفتيت والتدمير والتحطيم والتهويد.

فما هي الخطوط العريضة لفقه المقاومة، ولماذا باتَت اليوم حاجة ملحة في واقعنا العربي والإسلامي؟ وما هي ماهية المقاومة؟ وما الفارق بين المقاومة والإرهاب الأعمى الذي يعصف ببلادنا؟ وأيهم أولى مقاومة الاحتلال الصهيوني أولا أم تدمير الدول والمجتمعات العربية والإسلامية؟ ولماذا استخدم البعض وصف المقاومة للتدليل على حركات تستهدف الأمن القومي العربي والإسلامي، وهل يندرج هذا في سياق تلويث مصطلح المقاومة الجميل الذي دحر الاستعمار الغربي والصهيوني عن بلادنا؟

تعليق عبر الفيس بوك