عُمان بلد السلام

حاتم الطائي

حصول السلطنة على درجة "صفر" في سلم المؤشر العالمي للإرهاب للعام 2015، ليس من قبيل المصادفة، أو ضربة حظ، بل يأتي تتويجا لمسيرة مُمتدة عبر التاريخ حملت ملامح المنجز العماني في إرساء وتجذير ثقافة السلام والوئام على المستوى الداخلي؛ ليمتد تأثير ذلك إلى الإسهام الحقيقي والإيجابي في حَلْحلة العديد من القضايا الشائكة؛ بغيَّة ترسيخ دعائم الاستقرار في ربوع منطقتنا العربية.

والمؤشرُ العالميُّ للإرهاب -الذي يصدُر عن معهد الاقتصاد والسلام- يتَّسم بقدر عال من الموثوقية، ويتميَّز بالمصداقية، وهو مقياس متفرِّد في مجاله يقيسُ درجة أمان الدول من التهديدات الإرهابية؛ مما يُكسبه أهمية كبيرة، خاصة في هذا العصر الذي لم يستثنِ الإرهابُ فيه مكانًا في العالم؛ حيث عاثَ فسادا في الكثير من الدول، ونشر فيها شروره الفتاكة.

ويزيد من أهمية حصولنا على هذا السجل النظيف الخالي من شوائب الإرهاب أنَّ بلادَنا تقعُ وسط محيط عاصف من التوترات، وفي منطقة تعجُّ بالصراعات التي تغذِّي نزعات التطرف والإرهاب.

إنَّ إقرارَ هذا التقرير الدولي المرموق لما تتمتع به بلادنا من "ذروة الأمان من التهديدات الإرهابية"، لهو إنجازٌ نوعي جديد يُضاف إلى سلسلة مفاخر شعبنا وقيادته الرشيدة، ويؤكِّد سلامة التدابير التي تتخذها السلطنة لمنع تسلل آفات التطرف والتعصب الطائفي إلى مكونات النسيج العُماني المتماسك، إضافة إلى تبني إجراءات تتناغم مع الجهد الدولي لمحاصرة آفة الإرهاب؛ ومن ذلك: توقيعها على الاتفاقية الدولية لمنع تمويل الإرهاب في العام 2011، وإيجاد نظام مُحكم لمكافحة تبييض الأموال ومنع تمويل الإرهاب قبل نحو خمسة عشر عاما.

ولا شكَّ أنَّ هذا التقدير الدولي المستحق، يُجسِّد كذلك نجاح مشروعنا الحضاري في بناء الإنسان المستنير، الذي ينفر بطبعه من دعاوى الإرهاب ومزالقه الخطرة، وينأى بنفسه عن التعصُّب الطائفي الذي يُعد أُسَّ البلاء، والمنطلق للعديد من التوجهات الإرهابية التي يصطلي بنارها عالمنا المعاصر.

تجنَّبتْ بلادنا ويلات الإرهاب وشروره؛ من خلال تعزيز التسامح على الصعيديْن المحلي والعالمي، فالعُمانيون مشهود لهم بالتركيز على بناء بلادهم وتعزيز مسارها النهضوي، بعيداً عن النزاعات التدميرية، وبعيدا عن الانشغال بالانخراط في صفوف التنظيمات الإرهابية.

وكنتاج للوعي المجتمعي وجهود الحكومة في مكافحة الفكر المتطرف، لم تُسجَّل أية حالة لانضمام عُماني إلى تنظيم "داعش"، أو أي تنظيم متطرِّف آخر.

نعم.. لم يذهب الشباب العُماني للقتال في أفغانستان ولا العراق ولا سوريا...ولا غيرها من جبهات حروب الوكالة؛ لأنهم آمنوا بأنَّ معركتهم الأساسية هنا وليست هناك؛ في بناء عُمان.. بالتركيز على تذليل التحديات التي تواجهها؛ لأنهم يعرفون جيدًا معنى الانتماء للوطن، والعمل مع القيادة لما فيه الخير.. لم يشعروا بالاغتراب في أوطانهم ليهاجروا باحثين عن الأوهام، ولم يفهموا دينهم في إطار أيديولوجي أو طائفي ضيِّق يحاربون من خلاله الآخر المختلف، بل يؤمنون بالتسامح والمحبَّة.. رسالتهم هي المحبة والاحترام، فانشغلوا بحراكهم البنَّاء: لم يُعادوا أحدًا، ولم يُجرِّموا أحدًا؛ فكان أن كسبوا احترام العالم أجمع.

إنَّ هذا السَّمت العُماني يُعدُ ثمرة لاستمرارية نهج السلام على الطريقة العُمانية منذ قرون ليصل إلى ذروته في العصر الحديث، مُنتجا مجتمعًا مُتناغمًا مُتآلفا متآزرا مُحبًّا للسلام وداعيًا إلى سيادة القيم النبيلة.. وليس هذا وليدَ اللحظة، بل هو إرث يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، ومكوِّن رئيسي من مكوِّنات وسمات الشخصية العمانية. ويُمكن تتبُّع ذلك على مَدَى الحقب والقرون التي تبلورتْ خلالها الرُّؤية العُمانية في السلام والتسامح، ليحملها شعب مُسالم يسعى للوفاق والصلح، ويبتعد عن العداوات، وينأى عن مَوَاطن تأجيج الفتن. فعلى مدى التاريخ، كان الجميع -ولا يزالون- يلجأون إلى عُمان باعتبارها واحة سلام، فأهلها يتفرَّدون بحفاظهم على سماتهم كرسل محبَّة وسلام، سواءً في منطقة الخليج أو عالمنا العربي والإسلامي ككل، وما المساعي الدبلوماسية الحالية في اليمن ومن قبلها اتفاق إيران النووي منا ببعيد؛ إذ تحمل جميعها الوسم العُماني كمُصْلِح بين الفرقاء، وداعية سلام.

وعلى مَدَى سنوات نهضتنا المباركة، تزايد التمسُّك بنهج السلام، وتعاظمتْ نتائجه الإيجابية، بعيدا عن عوامل الفرقة والشتات. ولقد أكَّد على ذلك مولانا حضرة صاحب الجلالة في أكثر من مَوْضِع، بالقول: "إنَّ التطرف مهما كانت مُسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته.. نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العُمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبداً أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق".

والشاهد.. أنَّ احتفاءنا بهذا التقدير الدولي الرفيع ينبغي أن يتجاوز الطابع الاحتفالي، إلى ما هُو أعمق وأبعد؛ من خلال محاولة توظيف هذا الإنجاز وترجمته إلى مفردات محسوسة، خاصة فيما يتعلَّق بالترويج لبلادنا كواحة سلم وأمان في منطقة تعجُّ بالصراعات والفتن، بما يُؤهلها لأن تكون مركزا لتنمية الأعمال، ومنطلقا للأنشطة اللوجستية، وجاذبا للاستثمارات الخارجية.

وعندما تدعو عُمان إلى تعزيز نهج السلام في العلاقات الدولية، فإنها تنطلق من رصيد حضاري يتمتَّع بمصداقية عالية عالميًّا، ويتجسَّد ذلك في التقدير منقطع النظير الذي يُكنُّه العالم لجلالة السلطان رجل السلام.

تعليق عبر الفيس بوك