عش سعيدًا

أحمد الرَّحبي

يُعتبر تعريف السعادة أو وضع تفسير مجمل لها أو حتى محاولة قياسها بشكل واضح ودقيق أمرًا صعبًا؛ فدائما ما تبدو كل تعريفات السعادة وهمية أو تقريبية، أو هي انطباعية في أغلب الأحوال؛ إذ لا يمكن إعطاء وصف مباشر وصادق لها، وحتى بين الباحثين أنفسهم المتخصصين بما يتعلق بالمواضيع المرتبطة بالسعادة، يعتبر تعريف السعادة لديهم خاضعا لشيء من النوعية؛ فهي متوزعة كموضوع بحث بين مجالات عدة متنوعة ومختلفة؛ مثل: علم النفس والفلسفة وحتى الاقتصاد، لكن يمكن القول بأنَّ هناك تعريفا تبسيطيا واحدا قد يعدل كل محاولات تعريف السعادة المختلفة، وبرغم بساطة التعريف فهو يربط السعادة بالحياة كممارسة واعتناق لها ويعرفها بشكل دقيق إما بالوقتية والآنية في ممارستها والإقبال عليها، وإما عيش السعادة بشكل مستمر ودائم؛ وهو الأمر الذي ينتج فرقا في الأثر طبعا، المتولد عن سعادة خاضعة لمزاج غير مستقر ومتقلب، وبين سعادة يولدها لدى الشخص بشكل مستمر نوع من الرضا والقناعة والسلام الداخلي.

وبإزاء مشاعر غير جيدة أو سلبية مثل الغضب والقرف والتعاسة الغالبة على نظرة الشخص وعلى سلوكه في التعامل الحياتي مع الآخرين، والتي تساهم في إعتام النظرة إلى الحياة، وجعل الحياة بكل الألوان المتعددة الزاهية للفرح والبهجة السعيدة فيها، أسيرة منظار معتم، تعتبر بلا شك المشاعر الجيدة والنظرة إلى الحياة بعين ملؤها التفاؤل دائما، دافعا نفسيا جيدا لعيش الحياة، مما يتيح لنا الإقبال على الحياة والمشاركة فيها بغض النظر عن المعوقات التي تعترض طريقنا أثناء ذلك، ويبقي ترمومتر الهمة والنشاط لدينا الذي يساهم في الحض على المبادرة في الإنجاز والتطوير لمسار حياتنا، مؤشره مرتفع بشكل دائم، بدون فتور أو كلل في معايشة الحياة والقيام بأعبائها، برغم ما نواجه من ظروف واحباطات بعض الأحيان، وما فد نمر به من وهن صحي وجسدى في مراحل متقدمة من العمر؛ فالمشاعر الجيِّدة والتفاؤل في النظرة إلى الحياة، لها مفعولها السحري، والتي قد تخلف أثرا من الفاعلية والطاقة العجيبة على من يعتنق مثل هذه النظرة إلى الحياة ويعيش لحظات حياته بشيء من الشعور المتفائل الدائم، بل إنَّ هذا الأثر الذي تخلفه المشاعر الجيدة والنظرة المتفائلة للحياة قد يمتد من الصحة النفسية إلى الصحة البدنية للإنسان؛ مما يترك أثره الجيد على الصحة، وينعكس ذلك على إطالة العمر لدى من يقبل على الحياة بشيء من التفاؤل والنظرة الايجابية؛ الأمر الذي أثار حيرة بعض الباحثين النفسيين، فبعد سنوات من البحث، وجد بعض الباحثين بأن المشاعر الإيجابية لدى الإنسان تطيل سنوات عمره أكثر من المشاعر السيئة أو غير الإيجابية؛ وهو الأمر الذي يدل على أنَّ المشاعر الإيجابية في الحياة، مثل الارتياح بدون قلق أو تذمر والرضا الدائم واغتنام المتعة في الحياة لها تأثيرها القوي على الصحة الجسدية أيضا؛ فبالاعتماد على قوة المشاعر الإيجابية لدى الشخص المريض أو المصاب مثلا يُتيح ذلك زيادة قدرة مقاومة الجسم للالتهابات، ويقلل هذا النوع من الأحاسيس احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوردة والشرايين والجلطة الدماغية كما يُسهم في إطالة سنوات العمر بمقدار 10 سنوات تقريبا، وهذا وحده مشجع جيد للتخلي عن المشاعر السلبية في الحياة وترك النظرة المعتمة إليها، ويحضنا على عيش الحياة والانغماس بأدق تفاصيلها، مشاركين أوقات متعتها مع الأهل والأصدقاء، في سعادة وهناء من العيش، الذي لا يعرف ولا تتسرب إليه الخواطر المؤذية، من تشاؤم وقرف وقنوط من حياة، يجب أن نمضي أوقاتها ونعيشها دون كدر.

تعليق عبر الفيس بوك