صعوبة خلط أوراق المأزق السوري

عبيدلي العبيدلي

بخلاف البلدان العربية الأخرى مثل تونس ومصر، تعاني سوريا -وإلى حد قريب منها اليمن- بشكل متزايد من تداعيات الحراك العربي الذي انطلقت شرارته من تونس قبل ما يقرب من خمسة أعوام تقريبا. وتستخلص القراءة المتمعِّنة لمشهد السياسي السوري أنه يكابد أزمة حقيقية تضع أطرافه، ومعها الحلول التي تقدمها أمام مأزق مصيري يشكل صعوبة حقيقية في وجه مساعي خلط أوراقه ممن قبل التحالفات كافة، سواء تلك المتناحرة مع بعضها البعض، أو المتحالفة فيما بينها. فما ينطبق على ساحات الصراع الأخرى التي تجعل من عدو عدوك صديقك مقولة لا يُمكن تطبيقها في ساحة الصراع السوري نظرا لتشابك المصالح، وتعدد الأطراف التي تقف وراءها.

على هذه الخلفية، يُمكن رَصْد مجموعة من الحوادث التي قد تبدو غير مترابطة، لكنها في حقيقة الأمر تعبر بصدق عن واقع المشهد السياسي السوري، وتكشف المأزق الذي نتحدث عنه.

أول تلك الحوادث، وأقربها تاريخيا، هو موافقة "الاتحاد الأوروبي على تقديم مساعدات نقدية قدرت بحو ثلاثة مليارات دولار، و(رافقها بشكل متزامن) استئناف محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد مقابل مساعدة تركيا في أزمة تدفق اللاجئين". وجاء في البيان إلغاء "الاتحاد الأوروبي إلزام الأتراك باستخراج تأشيرة سفر إلى دول الاتحاد الأوروبي في أكتوبر عام 2016 إذا التزمت أنقرة بمعايير محددة يجري التوصل إليها في خريطة طريق متفق عليها". هذا يعني التراجع النسبي للتنافس الأوروبي-التركي الذي كان في أوجِّه قبل فترة.

ثاني تلك الأحداث: مشاركة روسيا العسكرية الرسمية في المعارك التي تدور رحاها في مناطق سورية متعددة. وبخلاف ما تدعيه موسكو، كما يؤكد الأستاذ المحاضر في "الدراسات الأمنية" و"سياسات الشرق الأوسط" في جامعة إكستر عمر عاشور، فإنَّ "تدخلها (روسيا) السوري يهدف إلى هزيمة الدولة الإسلامية وإرهابيين آخرين، لكن، وفقا لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن أكثر من 90% من الضربات الجوية الروسية حتى الآن لم توجه ضد تنظيم الدولة "داعش" أو حلفائها ولا حتى تنظيم القاعدة المعروف باسم جبهة النصرة، ولكن ضد الجماعات المسلحة التي تقاتل كلا من "داعش" ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، حليف موسكو في ذلك الصراع. وتلك الضربات هي التي ساعدت، في الواقع "داعش" على التقدم في حلب منذ بدء الغارات الجوية الروسية".

ثالث تلك الحوادث هو إسقاط الأتراك للطائرة الروسية من طراز سوخوى-24، بدعوى اختراقها للمجال الجوي التركي. لكن حقيقة الأمر كما يراها الباحث من معهد الأبحاث الاقتصادية والسياسة الخارجية في إسطنبول جان قصاب أوغلو "أنَّ الإسقاط الذي كان متوقعا، (لأن القصف كان يستهدف) المقاتلين التركمان وهم من أثنية ذات أصول تركية تحارب ضد النظام السوري وتحظى بدعم تركي... وهو ما أحبط تركيا". أخذ اسقاط بالطائرة بعدا دراميا على المستوى السياسي، وسدَّد -كما ذكر الكرملين- "ضربة قاتلة للعلاقات الثنائية"، وسوف يكون، كما قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "من الصعوبة للغاية إصلاحها بعد وقوع مثل هذا الضرر المدمر". وذهب الرئيس الروسي إلى أبعد من ذلك عندما اعتبرها "طعنة من الخلف"، في حين وجد رئيس الوزراء التركي داود أوغلو "إن محاولات إلقاء مسؤولية إسقاط الطائرة (الروسية) على الجانب التركي، باطلة وغير مشروعة حسب القانون الدولي، وتضر بروابط الصداقة والجوار الوثيقة بين البلدين".

رابع تلك الحوادث هو الهجمات الإرهابية على باريس والتي كان ضحيتها ما يزيد على المئة قتيل من المواطنين الآمنين الأبرياء في 13 من نوفمبر 2015، والتي وحدت قوى ذات مصالح متباينة في الساحة السورية على الاتفاق علنا على أن "مكافحة تنظيم (الدولة الإسلامية) أولوية دولية مطلقة، لكن أجندات وأولويات الأطراف الدولية المشاركة مختلفة حتى الآن في المنطقة"، والذي جعل المحرر السياسي في فضائية "فرنسا 24" يتساءل، بعد تشخيص دقيق للتعارضات التي تنخر جسد التحالفات الغربية حول مدى قدرة "الرئيس الفرنسي أولاند من النجاح في تحقيق تقارب بين مختلف القوى الفاعلة لتحسين نجاعة مكافحة التنظيم المتطرف والذي بات يشكل هدفا خطيرا للمجتمع الدولي"؟

خامس تلك الحوادث هو اعلان العدو الصهيوني قبل يومين عن "تعليق الاتصالات مع مؤسسات الاتحاد الاوروبي المشاركة في مساعي السلام مع الفلسطينيين، ردا على قرار الاتحاد وضع ملصقات تحدد المنشأ على منتجات المستوطنات، إذ يعتبر الإسرائيليون أن القرار الأوروبي يشكل إجراء تمييزيا ومشجعا للمسؤولين الفلسطينيين في رفضهم للسلام". يجري ذلك على نحو مواز مع، كما يورد موقع "إيلاف" الإلكتروني، الاستعدادات "لتنسيق روسي-إسرائيلي، الذي كما قال ضابط في الجيش الإسرائيلي يهدف إلى منع تبادل إطلاق النار بطريق الخطأ بين البلدين في سوريا، (ويجري ذلك) فيما تعزز موسكو دعمها العسكري للرئيس السوري بشار الأسد".

سادس تلك الحوادث -وكما تناقلته وكالات الأنباء- "تبنِّي تنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم الدولة الإسلامية إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، والتي قال التنظيم "إنه أسقط طائرة الركاب ردا على الهجمات الروسية في سوريا"، الذي رفضته روسيا وقالت "إن تبني تنظيم ولاية سيناء (داعش) إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء لا يمكن اعتباره صحيحا". ترافق ذلك الحدث مع تدشين التوقيع على "اتفاق مصري روسي للتعاون لبناء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء في مصر".

تشير كل هذه الحوادث التي تحمل وراءها أبعادا إستراتيجية إلى المستوى التعقيد العالي الذي بلغه المشهد السياسي السوري، إلى درجة بات من الصعوبة بمكان، الحديث عن مخرج سريع ينتشل سوريا من واقعها التي تئن تحته. وهذا يعني أن مهمة خلط أوراق هذه القوى بشكل يضمن اتفاقها على خارطة طريق مشتركة تقود إلى حل شامل، حتى ولو بشكل، مؤقت باتت مسألة شبه مستحيلة.

تعليق عبر الفيس بوك