من ثمار النهضة المباركة.. الشورى والحوار

عبدالرحيم مصطفى النعيمة

كان يوم النهضة المباركة قبل خمسة وأربعين عاماً مشرقة -ولايزال، وسيظل بإرادة الله سبحانه وعونه- نوراً يسطع ويشع على أرض عمان الغالية الطيبة، وفجراً جديداً مقروناً بصوت القائد -حفظه الله ورعاه- الذي كان نداؤه "يا أبناء عمان" نداءً تاريخياً شق الأفق، قوياً صافياً صادقاً قلباً ولساناً لأهله أحاط بـ"الإنسان العماني" في البر والبحر والمدن والقرى والبوادي والصحاري والجبال، والذي أرهف سمعه ووجف قلبه مستبشراً فرحاً "بالخير القادم"، وامتلأ صدره بالأمل، بل الآمال العِرَاض في غد مشرق جديد قوامه عزة الإنسان العماني وكرامته ووحدته ونهضته وتقدمه وبناء حياة حرة تنطلق من ماضيه الأصيل وتطلعه -دائماً- لحاضر عصري متطور في كافة مجالات الحياة.

وانطلقَ هذا النداء، وظل ينطلقُ من دينه وعقيدته ومثله وقيمه ومبادئه القويمه وعلاقاته وعاداته الحميدة، والتي جعلت "المواطن العماني" -ولايزال- يتطلَّع إلى القيام بدوره كاملاً في أسرته ومجتمعه ووطنه ليكون -دائماً- عضواً صالحاً نافعاً يتقدم بثقة وثبات لمزيد من الحياة الحرة الكريمة والتماسك والبناء والأمن والسلام والمحبة والوئام بين البشر، في عالم تتشابك فيه الخطوط والمسارات.

والنهضة المباركة بدأت ببذرة طيبة وضعها جلالته -حفظه الله ورعاه- في رحم الأرض العمانية الطاهرة، ورفع لواءها وقاد ركبها الميمون وموكبها الصاعد بإقدامه وشجاعته وحكمته وصدقه وعلمه ومعرفته ورؤاه الثاقبة على امتداد الأرض العمانية وأهلها الكرام، وبفكر ناضج ونظرة عميقة متطورة لسائر دول المنطقة -خليجيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا- وتواصلاً إيجابيًّا راقياً مع كافة الشعوب والبلدان.

ونَمَت "البذرة"، تحيطها كل عوامل الأمن والثبات والاستقرار والصدق والوضوح والازدهار، فكانت -ولاتزال- شجرة مباركة أعطتْ أُكلها "ثماراً ناضجة حلوة المذاق بسطت خيرها للجميع في كل بيت ولكل أسرة، فصارت قلوبهم قبل ألسنتهم تلهج بالدعاء العميق الصادق ممزوجاً بالاحترام الشديد والحب الذى لا تحده حدود بأن يحفظ مفجر النهضة وقائدها المفدى ويحيطه سبحانه وتعالى بعين رعايته ويلبسه ثوب الصحة والعافية ويسدد خطاه؛ حكيماً وقائداً مظفراً لعمان وأهلها، بل لسائر الأمتين العربية والإسلامية، رافعاً للعالم كله راية الحق والحقيقة والأمن والتسامح والسلام؛ فصارت عمان مثالاً يُحتذى في الاستقرار والبناء والعمران والنهضة والتطور ارتباطاً فاحصاً واعياً بالماضي الأصيل والحاضر المعاصر، تنوعاً وتوازناً ووسطية وتنمية وتمسكاً بالثوابت ومشاركات إيجابية فاعلة إقليمياً ودولياً.

وكان "النطق السامي -ولايزال- وسيظل بمشيئة الله تعالى عبر سنى النهضة المباركة منهجاً ونبراساً ودليلاً ومنارة سامقة وهادياً ومرشداً، يُهيِّئ الطريقَ ويؤسِّس لمجتمع متماسك لكل جوانب الحياة؛ أفراداً وأسراً وجماعات ومؤسسات، وكافة القطاعات في الداخل والخارج.

فمن أقوال صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- في 18 نوفمبر عام 1973م: ".... نُشيَّد لعمان حضارة عصرية راسخة الأركان على أساس صلب من الدين ومن الأخلاق والعلم النافع، فإن رقي الأمم، ليس في علو مبانيها ولا في وفرة ثرواتها، انما يستمد من قوة إيمان أبنائها بالله".

لذلك كانت "الشورى" -ولا تزال- مبدأ إسلاميًّا أصيلاً ثابتَ الأركان وثمرة ناضجة تغذي العقل والوجدان، وتحقق التماسك والوحدة والصفاء والنقاء والإيمان الصادق وقوة النسيج الاجتماعي بين الأفراد والقبائل والجماعات وكافة قطاعات المجتمع، فلا عجب في ذلك؛ فهو مبدأ أشار إليه خالق الكون مدبر الأمر -سبحانه وتعالى- إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن " يشاور" صحابته، وأن أمرهم "شورى" بينهم، وهو نبيُّ الرحمة وخاتم الأنبياء والمرسلين الموحى إليه ولا ينطق عن الهوى، ليتحقق بذلك خيري الدنيا والآخرة، عدلاً وأمناً وسلاماً وبناء واستقراراً ونهضة وتقدماً وتسامحاً وحباً ومودة واحتراماً وتعاوناً شاملاً في كل جوانب الحياة.

فلا عجب، بل هو أمر مُتوقَّع مشهود ومنهج محمود خطه صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- وقاد به المجتمع العماني وظل يقوده إلى بر السلامة والأمان؛ فكان "العرسَ العماني الوطني" الكبير في الأيام الماضية أفراحاً انطلقت وسار الجميع في موكبها الصاعد في كل مراحل الترشيح والانتخاب والنتائج، متضامنين متكاتفين تراصَّت صفوفهم وتشابكت أياديهم بكل صدق وعزيمة قوية وإرادة وطنية صلبة فتحقق النجاح والفرح الكبير؛ بدءاً من وزارة الداخلية واللجنة العليا ووزارة الإعلام، والهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون، وكافة القيادات العمانية في الولايات والمحافظات والمؤسسات وجميع المواطنين في وحدة شاملة -عقلاً ووجداناً وولاء وفداء- في منافسة وطنية سلسة وحرة ونزيهة تحكمها ضوابط حققت في خطواتها ومراحلها ونتائجها "انتصاراً" وفخراً، ليس لفرد أو جهة أو قبيلة أو فئة، وإنما كان المنتصر الحقيقي هي "عمان وشعب عمان" بتاريخها وواقعها ومثلها وقيمها ومبادئها المستمدة من إيمانها بالله وعقيدتها ودينها وعاداتها وتقاليدها الحميدة، فتحقق بذلك الإنجاز تلو الإنجاز في مسارات الحق والعدل والعزة والكرامة والأمن والتنمية والسلام، ليس لهذا الجيل فحسب، بل لسائر الأجيال العمانية ومنذ إشراق النهضة المباركة.

كما أنَّ انتخابات "مجلس الشورى" في فترته الثامنة حققت منذ انطلاقتها نموذجاً يُحتذى وإنجازاً وطنياً مشهوداً "للمواطن العماني"، أو بالأحرى "الإنسان العماني"، وفي مقدمة ذلك الرعاية الأبوية الصادقة من صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- لأبنائه وبناته وسائر أهله ومواطنيه في "المشاركة الحقيقية" في المسيرة الوطنية تأكيداً لإرادة المواطن الحرة وممارسة حقه في شؤون وطنه وفي كافة قضاياه المصيرية التي ترعى "مصالحه"، وهى المصالح العامة ذاتها لجميع أهله ومواطنيه على امتداد السلطنة في الولايات والمحافظات، تدفعه في ذلك النوايا الحسنة، والكفاءة والإخلاص والتجرد والنزاهة والحيدة والصدق والأمانة والحق والحقيقية والموضوعية والدليل والاحترام المتبادل والهدوء والحكمة، لمزيد من الإنجاز والتطور والتنمية والاستقرار، بل تعميق أواصر الاحترام والمحبة والولاء والتفاني لقائد النهضة وأهله، وبين بعضهم البعض على امتداد الأرض الطيبة المعطاء كما خطها جلالته -حفظه الله ورعاه- حضارة عصرية راسخة الأركان على أساس صلب من الدين والأخلاق والعلم النافع والإيمان بالله، وهذا ما يجعل المواطن العماني وعلى امتداد الأرض العمانية، بإرادة الله -سبحانه- ثم ما أراده القائد -أبقاه الله تعالى- سيد نفسه وقراره في المسيرة الوطنيه؛ تشريعاً وتنفيذاً ورقابة وممارسة فاعلة في حياته.

وهذه المشاركة هي ارتفاع بالمواطن العماني لرسم خطاه فى حياته الخاصة والعامة، بين أسرته ومع مواطنيه وأهله وسائر مجتمعه وارتباط حقيقي بواقعه وتاريخه اعتزازاً بقائده ووطنه، ويتحقق له بذلك مكانة رفيعة يمارس فيها بجداره حقوقه المشروعة وواجباته الوطنية، ويكون نموذجاً يحتذى ومثالاً نابضاً بالحياة لغيره من الشعوب.

وتقترنُ الشورى -هذا المبدأ الإسلامي الرفيع- بالحوار، الذى يُعتبر تطبيقاً عملياً للممارسة الشورية الديمقراطية الحقيقية التي ينشدها العالم بأسره، بل صارت معياراً وميزاناً إنسانيًّا تقاس به العدالة وحقوق الإنسان، وكفالة "الحريات المسؤولة" لخير الأفراد والجماعات والأمم والشعوب.

وانطلاقاً مما خطه القائد المفدى من نهج مستقيم لشعبه، بل لسائر شعوب الأرض، تحدث معالى وزير الشؤون الخارجية للعالم في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنَّ "الحوار" بين الأفراد والجماعات والشعوب والبلدان هو الأساس في المسار الإنساني الذي يحقق للجميع كل أسباب الحياة الآمنة المستقرة، بل القضاء على أسباب ومسببات النفور والكراهية والتباعد والشقاق والنزاع، بل هو السبيل لتماسك البناء والنسيج الاجتماعي والتنمية والتطور والازدهار. وفقدان الحوار يجعل المواطن غريباً داخل وطنه وبين أهله ويكرس للفرقة والشتات والتخلف والبؤس والفقر والجهل والجوع والمرض والدمار والخراب.

وإذا اتفقنا على أنَّ الشورى مبدأ إسلامي أصيل، حثَّ عليه المولى -سبحانه وتعالى- عباده في كل زمان ومكان وعصر وجيل، كذلك الحوار يُعتبر مبدأ إسلاميًّا قريناً ملازماً للشورى؛ فالمولى -خالق الكون، مدبر الأمر- حاور خلقه، بدءاً بآدم عليه السلام، والملائكة والأنبياء والرسل، بل "إبليس" وأعوانه من الشياطين، وجاء في الذكر الحكيم أنه سبحانه سمع قول "المرأة المسلمة" التي تجادل نبي الهدى، وخاتم الأنبياء والمرسلين في زوجها وتشتكي إلى الله والله سبحانه يسمع "تحاورهما".

حفظ الله تعالى صاحب الجلالة، قائد النهضة المباركة، حكيم العرب، رجل الأمن والسلام، ومد الله تعالى في عمره وأحاطه بعنايته ورعايته ذخراً لأهله وشعبه وللأمتين العربية والاسلامية، والجميع يعيشون أفراح العيد الخامس والأربعين للنهضة الشامخة. أعاده الله على جلالته -حفظه الله ورعاه- أفراحاً بعد أفراح، وأعياداً بعد أعياد، وعلى الشعب العماني الأبي الوفي بالمنعة والقوة والأمن والمحبة والسلام والتطور الصاعد والتنمية والتقدم المشهود المنشود والشورى والحوار.

تعليق عبر الفيس بوك