سجعيات من الواقع

هلال الزَّيدي

عندما يكون للرأي جلبة وضجيج، وآراء وتفاسير على أمرٍ مريج؛ فربما يتحوَّل بين فئات المجتمع إلى صراع وتأجيج؛ فتختلط الحوابل بالنوابل بين مؤيدٍ ومعارض، ومدَّعٍ للمعرفة ولعضلاته فارض، فتبدأ المزايدات وتختلف التوجهات، وتتباين الأطروحات، وتتَّسع دائرة إشباع الحاجات والرغبات؛ فنختلف ونتفق، وحول الحمى ندور ونفترق، وربما نصل إلى توافقٍ بأننا نتفق على أنْ لا نتفق، لكننا استطعنا أن نخرج ما كان في أجوافنا يحترق، ليخرج عبر لسانٍ وفمٍ وينطلق؛ فتلقفه الآذان فيبدد السكون ويخترق.. فجاء على الملأ بأن هناك شيئًا "ما" يحدث في تقسيم الكعكة، ليكون حديث الساعة وتصبح القضية كالعلكة فيقولون: مشروعات التنمية لا تسير حسب الحروف الأبجدية، لكننا نراها عادلة على هذه الأرض الأبية، فازدانت طلتها فغدت جميلة بهية، وها هي تحتفي بأيامٍ نوفمبرية، فهي شفافة واضحة وليست مبهمة أو أحجية، ولم تكتب بأرقام ولغات سرية.. سمت في آفاق المجد وتباهت، ونثرت ورود ورياحين وفاحت، ومهما كانت الآراء تتقاطع، إلا أن الرأي الصائب سيبقى ساطع ولا يوقفه سد ولا مانع؛ فالتنمية شاملة جامعة وتسير حسب خطط مدروسة وموزونة تراعي الكثافة السكانية والأبعاد الزمانية والمكانية، والشعور بالقصور في جهة ما لا يعني ذلك بأنَّ كلَّ الأمكنة تحتاج إلى بناء الناطحات والقصور؛ فلكل بقعة حاجات، ولكل ولاية أو محافظة سمات وخصوصيات.

*****

عندما يتصارع أولئك الموسومون بالنخب، علينا أن نرفع عنهم العتب؛ لأنها نخبة تبحث عمن تحب، وبارقة الأمل في هذا الصراع سينهكها التعب.. والنار لا تأكل إلا ما تيبَّس من الحطب، لكننا نؤمن بأنَّ المطر لا يهطل إلا بكثافة السحب، ومهما كان الرفاق والأصحاب يختلفون عندما تتقاطع مصالحهم من أجل مادة أو جاه أو حتى منصب؛ فذاك لا يكون مدعاة للفخر أو العجب؛ لأنهم ينظرون بنظرة أصابها العطب، فتقوقعت لديهم الأمنيات، وتراجعت عند البقية الثقة لأنهم كانوا هم السبب؛ فذاك مسؤول أو صاحب قرار لم ينتبه إلا لمن عده من إعدائه.. لأنه لم يجد في تنفيذ مخططاته ما يمكن أن يكون داوائه؛ فبحث وفتَّش من أجل أن يطيح بذاك الذي أعطى واتقى، لكنه لم ينل منهم جزاءً أو حُسنى؛ لذلك عمل واجتهد وبنفسه سما، لأنه موقن مؤمن بأن الوطن مسؤولية لا مال يجتبى. وبرغم الأعين المتربصة التي تريد الإطاحة به، بدا شامخا ولم يُولِّ هربا، ومع ذلك كله فلا بد من نهاية لكل من تسيَّد كرسي وعليه انتشى؛ لأنَّ تأدية الواجب لا تكون أبدية أو محصورة في شخوص دون غيرها.. وكلنا نؤدي رسالة ستأتي في يوم من الأيام وتنتهي.

*****

في يومٍ من الأيام، طارت حمامة السلام لتنشد الحب والوئام، لكنها أُغتيلت عندما انتهت نخوة الكرام؛ فاشتعلت الأطماع كالنار الضرام، وانتكست الشعوب ومرغت الكرامة في وحل الأنا والجشع وحب الانتقام.. فنادوا بالنفير في وجه الفقير الذي لا يملك خرقة يستتر بها أو حتى قطعة من حصير، واصطفَّت البوارج والدبابات، ومَخَرت السفن الحربية وحلَّقت الطائرات؛ فقتلت الأطفال والشيوخ والنساء، واسودَّت الوجوه حتى بكت السماء.. وقُصفت المنابر والمساجد على حد سواء؛ فلا أذان لها ولا نداء؛ فالمشهد يُوحي بالفناء.. كل ذلك من أجل القضاء على الإرهاب على حد وصفهم، لكنها أضغان حقد مسلَّطة على المذاهب والطوائف وكرههم؛ فتمادوا لتغطية عقدة نقصهم، والبحث عن موقع لهم اعتقدوا أنه مجدهم؛ فخونوا الكرام الذين يعملون في صمت ولا يبحثون عن الإعلام والأقلام.. فقالوا إنهم خنجر في خاصرة الخليج المنتشي بالأحلام.. لكننا نقول نعم، إننا خنجر مسلول في وجه من يعبث بحضارة وتاريخ امتد من قديم الزمان.. ففي كل بقعة لنا حضور لأننا من عمان.. ومهما كثر ثغاء النعاج فلا نأبه بها لأنها نعاج محصورة براع وسياج.

--------------------------

همسة:

"قال لها: كيف لي أن أهمس لك وأنت الهمس والحس؟ وكيف لي أن أكتب فيك قصائد الشوق وأنت معلقة متكاملة الذوق؟ فقالت له: أعتذر؛ لأنني قطعت وصلك وهمسك.. فرد عليها: أنت من حرَّض همستي لتصبح لمستي.. فقالت: حرَّضتها أم حرضتك لتهمس؟ فأجابها: الاثنان معاً؛ فنحن منْ نوقد الشموع لنضيء درب الحياة فنكون معاً.. ونحن من شرب كأس الهوى فتدفق الشوق وسما.. ونحن من زرع القبل في هامات الزمان فارتوى؛ لذا علينا أن نرسم الحب سوى.. ونكتب الحروف برحيق الزهور والندى، ونبتعد عما يؤلمنا بلغة الثوار عندما يبحثون عن جواز للسفر في غسق الدجى".

* كاتب وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك