خطاب الشموخ

حاتم الطائي

تتَّجه قلوب أبناء الوطن صباح اليوم إلى حصن الشموخ للاستماع إلى الخطاب السامي لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد في افتتاح مجلس عمان في دورته السادسة..

وخطاب قائد الشموخ من حصن الشموخ، في وطن الشموخ له دلالاته المتعددة، فمن حق عمان أن تشمخ لأنّها استطاعت خلال هذا العهد الزاهر أن تبني ذاتها بثقة عالية، وتمكّنت من بلورة منظومة تنموية متكاملة، وتجذير القيم والثوابت العمانيّة في نسق مُتسق بين الأصالة والمعاصرة، الأمر الذي كفل لها التقدم بخطى مدروسة لبناء الدولة الحديثة.

ويكتسب الخطاب السامي أهميّة استثنائية لعدة عوامل، في مقدمتها تشوّق وترقّب العمانيين لسماع خطب جلالته، حيث يستبشر الجميع بما تحفل به من رؤى سامية تتعامل بواقعية مع الحاضر، وتستشرف بحكمة آفاق المستقبل..

ويتزامن الخطاب السامي مع أفراح الوطن بالذكرى الخامسة والأربعين للعيد الوطني المجيد، حيث تحتفل بلادنا من أقصاها إلى أدناها بإنجازات النهضة العمانية العظيمة على مدى أكثر من أربعة عقود من العمل والمثابرة وتجاوز التحديات.

خمسة وأربعون عاماً حققت فيها بلادنا الكثير، لتنتقل من ضيق التقليدية إلى رحاب الحداثة، دولة تنعم بثمرات المنجز التنموي المرتكز على التخطيط السليم، والقائم على بناء الإنسان، باعتباره أساس التنمية وهدفها وغايتها، فكان أن بدأت التنمية البشريّة بإعداد الإنسان المتعلم والمستنير بنور العلم ليسهم في بناء نهضة الوطن..

ويمثل الخطاب السامي في افتتاح مجلس عمان، وبحضور مجلس الوزراء الموقر، مرحلة جديدة من العمل الوطني، ويرسم خارطة طريق ومنهاجًا ليس للعام الجديد فحسب بل للمرحلة المقبلة ككل، في ظل تكامل دولة المؤسسات، وتعاظم أدوارها لمقابلة احتياجات المرحلة ومتطلبات المستقبل، وبعد استكمال بناء المؤسسة التشريعية ممثلة في مجلس عمان للسنوات الأربع المقبلة، بإجراء انتخابات مجلس الشورى للفترة الثامنة وتعيين أعضاء مجلس الدولة..

كما أننا على مشارف بداية الخطة الخمسية التاسعة، والتي تأتي في سياق اقتصادي يشكل انخفاض أسعار النفط أبرز ملامحه، مما يحتم البحث عن بدائل لتعزيز الدخل الوطني وتحفيز القطاعات غير النفطيّة وفي مقدّمتها السياحة والثروة السمكيّة والتعدين والخدمات اللوجستية، وغيرها من قطاعات واعدة تزخر بها عمان، وهي قادرة - في حالة تحفيزها وهيكلتها بالصورة المثلى - على أن تكون داعمًا أساسيًا للاقتصاد الوطني في المرحلة المقبلة.

ومن متطلبات مواجهة تحديات المرحلة القادمة، تعميق مفهوم الشراكة المجتمعيّة التي يلتئم تحت مظلتها الجميع من حكومة ومواطنين بوعي وإدراك، لمواصلة المسار التنموي وتقديم المصلحة العامة دائمًا على سواها لتجاوز التحديات المختلفة بروح الإجماع الوطني، وعلى هدى مبادئ راسخة؛ فهي شراكة يساهم فيها العماني بحس المواطنة المسؤول، وشعور الغيرة الوطنية والإحساس العالي بالمسؤولية من أجل رفعة الوطن والمضي قدماً نحو مراتب التقدم والمنافسة الحضارية بين الأمم.

وثمة جانب آخر للشراكة لا يقل أهمية عن الشراكة الوطنية، ويتمثل في الشراكة الاقتصادية بين الحكومة والقطاع الخاص، والتي ينبغي أن تكون في هذه المرحلة والمراحل اللاحقة في أقوى تجلياتها، لتحقق الأهداف المنشودة، باعتبار أنّ التنمية لم تعد مسؤولية الحكومة وحدها، بل على القطاع الخاص أن يعظم إسهامه في هذا الجانب، بعد أن رعته الحكومة حتى اشتد عوده، وأصبح في إمكانه الإسهام الإيجابي في رفد التنمية الوطنية بعوامل الاستمرارية والاستدامة.

وبالحديث عن الاقتصاد، فإنّ من مسؤوليات الحكومة العمل على خلق البيئة الجاذبة للاستثمار الوطني والأجنبي، واعتبار ذلك من الأولويات للمرحلة القادمة، لأنّ بذل التسهيلات للمستثمرين سيعمل على جذب المزيد من الاستثمارات التي تسهم في تعزيز المنظومة الاقتصادية، وبالتالي تجاوز تذبذب أسعار النفط، إضافة إلى القيمة المضافة لهذه الاستثمارات والتي تكمن في خلق الوظائف، خاصة في ظل الحاجة إلى إيجاد فرص عمل جديدة لا تقل في حدها الأدنى عن آلاف الفرص كل عام، وهو أمر منوط بالقطاع الخاص في الجانب الأكبر منه لتشبّع نظيره الحكومي.. ولا شك أنّ جيل الشباب المتعلم قادر على التفاعل والتكيّف مع المرحلة الجديدة والتي تحتم التوجّه إلى القطاع الخاص وإعلاء ثقافة ريادة الأعمال.

نعم.. تعد المرحلة المقبلة ذات اهتمامات اقتصادية بامتياز، وتتطلب تضافر الجهود جميعاً في دولة المؤسسات والقانون، لدعم مسيرة التنويع الاقتصادي المنشود.

ليست عمان وحدها من ستتوجه بأنظارها وأفئدتها إلى حصن الشموخ اليوم، بل العالم أجمع سيترقب إسهام الخطاب السامي في تدعيم أركان استقرار المنطقة، جريًا على النهج المعهود للسياسة الخارجيّة لعمان في هذا العهد الزاهر، حيث أثمر نهج السلام عن مكانة مرموقة لعمان بين الأمم، التي عرفت فيها كوسيط خير ينزع فتيل الأزمات، وتطفئ نيران الحروب.. وتحرص على مد جسور التواصل مع الجميع.. وتعمل على تعزيز السلم والاستقرار إقليميًا ودوليًا..

ويبقى القول:

إننا نعيش اليوم واقعًا مشرقا كان حلمًا.. وعد به القائد الملهم شعبه الأبي فأوفى بوعده؛ عبر 45 عاماً من العطاء في بناء صرح الدولة الحديثة، وتدعيم أركان المسار التنموي.

تعليق عبر الفيس بوك