ليلة سقوط القصر

عزيزة راشد

في إحدى ليالي البرد في زنجبار، سألت السيدة سالمة أخاها السلطان برغش بن سعيد عمّا إذا كان القصر سوف يصمد أمام العاصفة الماطرة الهوجاء التي دخلت رياحها العاتية إلى غرفتها الفخمة، وبعثرت أمشاطها وبضع كتب كانت تواظب على قراءتها، فأجابها السلطان برغش: لا تخافي يا سالمة إن هذا القصر لا يسقط.

قصر بيت العجائب، زهرة المدينة، وفخر العمارة العمانية، وتراث رجال أشاوس، وفاتحين شجعان، ملتقى العلماء، وحاضنة النهضة، وقصر شمس الحضارة العمانية، وموئل تاريخ إمبراطورية لسلطان مؤسس مات في عرض البحر وهو يحتضن امبراطوريته بين ضفتين، وحكاية سلاطين عمروا وشيدوا وأسسوا واغدقوا وبنوا.

مرت العاصفة الهوجاء مرة أخرى على القصر ولكنها هذه المرة كانت أكثر شراسة من مذبحة 1964 الدموية، فبعثرت سقف القصر الذي كان الأفق ينحني أمام هيبته، وارتطمت بجدرانه في قسوة مفزعة محت معها صدى أروع الحكايات والقصص، وأسقطت معها الأعمدة التي تباكت على مجد سقطت أعمدته قبل 500 سنة، امتزجت المياه مع ألوان اللوحات المرسومة للسلاطين، وأخذت الريح سوار السيدة سالمة إلى نفس المصير المجهول الذي عاشته في شبابها.

قصر بيت العجائب في زنجبار الذي بني عام 1883، لم يبق منه سوى ركام يشبه أشلاء العمانيين الذين راحوا ضحيّة لأحقاد المذبحة..

تاريخ عماني ترك وحيدًا ويتيما ومهملا يستنجد بجثامين سلاطينه الذين دفنوا فيه، ينتظر أن يزاح عنه تراب القرون، وإعادة تدوين لتاريخ عماني كان فخرًا للعرب وللمسلمين جميعا في القارة السمراء.

في زنجبار يسقط قصر العجائب، فهل ستنقذ وزارة التراث والثقافة أو تستعجل الإنقاذ لهذا القصر الذي لفظ كل محاولات احتضانه من بعض الدول، فالتاريخ لا يقبل الخبث؛ لأنّ التاريخ العماني كتب بالدم، في زنجبار توقف الوقت في منارة القصر، فهل من حياة جديدة؟

تعليق عبر الفيس بوك