أغلبية "أردوغان" تتجه ببلاده نحو "حكم استبدادي".. ومعركة الدستور تحدد "هوية" تركيا الجديدة

الرؤية- إسلام حسين البِيَلي

جاءت نتائج الانتخابات التركية المبكرة التى دعا إليها الرئيس رجب طيب اردوغان لتؤكد أن الجمهورية التركية تتجه بقوة نحو تغييرات في توجهاتها وسياستها داخليًا وخارجيًا وفق الرؤية السياسة لحزب العدالة والتنمية الحاكم بالبلاد منذ أكـثر من عـشرة أعوام، وتنحو بالبلاد منحى جديداً لتعديلات دستورية موسعة قد تُحدث تغييرًا جذريًا لـ"الهُوية التركية" مُتخذه النموذج الإسلامي المحافظ منطلقـًا لها.

 

نظام استبدادي

نجح الرجل القوى اردوغان داخليًا رغم شدة المعارضة من جانب التيارات العلمانية واليسارية، وأكد حزب العدالة والتنمية  أنه الأنسب لقيادة تركيا في هذا التوقيت، وأكد الأتراك من جانبهم أنهم راضون عن أداء الحكومة الحالية بنسبة كبيرة وهو ما دعمه تصريح اردوغان بأن الأتراك صوتوا لصالح الاستقرار في انتخابات الأول من نوفمبر حيث عاد الشعب التركي لترجيح كفة حزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منذ أكثر من عقد من الزمان.

ويرى محللون أن تركيا قد تتجه -بعد إعادة انتخاب الشعب لحزب العدالة والتنمية- نحو نظام استبدادي مبنى على سلطات واسعة لرئيس الجمهورية وسحبها من رئيس الوزراء بالمقابل وهو ما أيده تصريح "أيكن أردمير" النائب السابق عن حزب الشعب الجمهوري المعارض بأن المعارضة التركية بددت الفرصة التى لاحت لها بانقسامها في مواجهة نظام حزب العدالة والتنمية، وأنهم لم يخسروا الانتخابات فحسب بل خسروا النظام الذي يسمح لهم بالفوز فيها.

وتبددت مخاوف اردوغان من عدم تمكن حزبه من الحصول على أغلبية بعد إعلان نتائج الانتخابات، وبدا أن الرجل يحاول أن يجمع كل الملفات بيده كرئيس ويتحول بالبلاد إلى نظام رئاسي استبدادي مدعوم بأغلبية برلمانية لكن كانت الإشكالية التى تواجهه هى الرفض الشعبي لتوجهاته المحافظة والرغبة الكبيرة لدى الأتراك في الإبقاء على تركيا "أتاتورك" كما هى.

ولم يتبق أمام الرجل سوى تعديل الدستور ليتمكن من الإمساك بزمام الأمور وقيادة دفة البلاد نحو تحقيق توجهاته نحو تركيا الجديدة معتمدا على نجاحاته السياسية والاقتصادية التى حققها طوال السنوات الماضية له في الحكم.

معركة الدستور

باتت معركة تغيير الدستور التركي أكبرالتحديات التى سيواجهها حزب العدالة والتنمية حيث كان يبدوا جليًا ومن بداية وصولهم للسلطة في تركيا عام 2002م أن اردوغان وحزبه كانا يرغبان في تغيير هُوية الدولة التركية إلى توجهات حزبه "العدالة والتنمية" المحافظة، وأنه كان يرغب في أن يصبح "أتاتورك الجديد" وفق طريقته، وكان على قناعة بأن ذلك لن يتحقق إلا بعد انتقال البلاد لنظام الدولة الرئاسية التى تمنح رئيس الجمهورية التركية صلاحيات واسعة، وتنقل إليه سلطات أكبر من تلك التى يحق له ممارستها وفق الدستور الحالى.

واتخذ الحزب خطوات تدريجية في سبيل الوصول لذلك كان منها أن عرض اردوغان على حزب الشعوب الديموقراطي الكردي الاشتراك في حكومة وفاق وطنى وقت أن كان وضع حزبه مهتزا في محاولة منه لاحتواء الأكراد.

وحانت الفرصة الآن بعد أن عاد "العدالة والتنمية" لسابق قوته مع إعلان نتائج الانتخابات المبكرة، وبدا وكأن "اردوغان" كان يعلم النتيجة مسبقاً وكان واثقا ومتاكداً من أن وضع حزبه سيكون أفضل وإلا لما دعا لانتخابات مبكرة.

وذلك بعد أن أثبتت السياسات الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية نجاحها وظهرت طفرة في الصادرات التركية وتغيرملحوظ على مستوى العملة وزيادة سعر صرف الليرة خلال السنوات العشر الماضية وارتفاع معدل دخل الفرد وبالتالي زيادة مستوى المعيشة في البلاد بصفة عامة، وحقق الاقتصاد التركي طفرات كبيرة جدًا معتمدًا على مصادر متعددة منها السياحة، والتجارة الخارجيا، وزيادة حجم الصادرات، وفتح أسواق جديدة لاستيعاب المنتجات التركية.

وحصل حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي على أغلبية مريحة بالبرمان بلغت 317 مقعدا بالبرلمان ولكن عدد المقاعد لم تمكن الحزب من فرض إجراء استفتاء شعبي لتغيير الدستور التركي إذا إنه بحاجة إلى التوافق مع المعارضة حول إجراء ذلك.

السياسة الخارجية

وتأتي قضية الأكراد ضمن أهم الملفات التى تؤرق اردوغان في طريق انفراده بحكم تركيا إذا ان تعاطي حزب الشعوب الديموقراطي مع تحركات أكراد العراق، وخشيته اردوغان من النزعة الاستقلالية التى تأكدت لدى أكراد إقليم كرستان العراق الحاصل على حكم ذاتي منذ سنوات ويسعى لتأسيس دولته ويخشي أيضا من تصدير الثورة وانتقال التمرد إلى الداخل التركي لتكوين الوطن الكردي الكبير الممتد من الأراضي التركية إلى شمال العراق وشمال سوريا أيضًا حيث يسعى اردوغان للسيطرة على تحركات القوات الكردية التى تحاول استغلال هشاشة الدولة السورية وتسعى لانتهاز الفرصة للسيطرة على المناطق الاستراتيجية في الشمال السوري.

 ويتزايد القلق التركي من الثقة الكبيرة التى حظى بها أكراد سوريا بعد انتصارهم على "داعش" في كوباني. إلا أن سياسة الرجل الخارجية بصفة عامة ومعالجته للملف السوري، واستقباله عدد كبير من اللاجئين السوريين ومنع توغلهم داخل الاتحاد الأوروبي أكدت للأوروبيين أنفسهم أن اردوغان -رجل تركيا القوى- هو الأنسب لحماية مصالحهم رغم اختلاف توجهاته معهم حيث نجحت تركيا في استثمار ذلك لكسب مواقف معينة في توقيتات عصيبة.

ولكن تبقى إدارة الملف السورى ومخاطر الحدود إلى جانب عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي والموقف من قبرص والعلاقات مع اليونان كلها ملفات مازالت عالقة وتحديات جسام تواجه تركيا الجديدة في المستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك