هل حقا خليجنا واحد ؟

حميد بن مسلم السعيدي

Hm.alsaidi2@gmail.com


مصيرنا واحد. وشعبنا واحد. الله أكبر يا خليج يضمنا.

أنا الخليجي وأفتخر أني خليجي. والخليج كله طريجي.

لقد تلاشت الأمنيات والأحلام التي كنّا نمني بها أنفسنا على أبواب أفتح يا سمسم أبوابك نحن أطفال الخليج، تكسرت كل القواعد والمواثيق وتبخرت مع رياح الشمال التي تعبر أجواء الخليج كل شتاء، كنّا نحلم بخليج يجمعنا مثلما جمعتنا اللغة العربية، والدين الإسلامي، والتاريخ المشترك، والموقع الجغرافي، والحدود المشتركة، والروابط الاجتماعية، والعرق الواحد، والتي أسهمت في قيام مجلس التعاون الخليجي في ظل ظروف سياسية وأمنية وعسكرية، كانت تمثل الدافع الرئيسي لقيام هذا التكتل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في سبيل تحقيق الوحدة الخليجية، خاصة وأن منطقة الخليج تُعد من المناطق الاستراتيجية والحيوية في العالم، نظراً لأهمية موقعها الجغرافي، ودورها في التبادل التجاري العالمي على طريق التجارة العالمية، ومواردها وثرواتها الطبيعية، باعتبارها تمتلك ثلث الاحتياطي العالمي من النفط.

كانت كل الظروف والمصالح المشتركة متهيئة لقيام هذا المجلس بتحقيق العديد من الرؤى والطموحات للمواطن الخليجي، وأن يتمتع بالعديد من المميزات والخدمات التي تساعده على الاستفادة من هذا التجمع، إلا أنّ ذلك لم يلمسه على أرض الواقع فأصبحت أحلام تراود ذاتها.

بالرغم من ظهور العديد من التكتلات الإقليمية في مناطق مختلفة من العالم لاحقاً، إلا أنّها تمكنت خلال فترة وجيزة وقياسية أن تحقق العديد من الإنجازات، ويعتبر اليوم الاتحاد الأوروبي من أقوى التكتلات الإقليمية الحديثة، بالرغم من أنّ هذا الإقليم عاني كثيراً من ويلات الحرب العالمية الأولى والثانية، إلى جانب الاختلافات الكبيرة بين دول الإقليم ذاتها في اللغة، والدين، والعرق والجغرافيا والتاريخ، إلا أنهم اتفقوا على منظومة إقليمية موحدة، لأنهم رأوا أن العقول والحكمة هي مسار بناء عصر جديد لأوروبا، قائم على إيجاد منظومة اقتصادية تسعى لبناء شراكة حقيقية لتحقيق طموحات الشعوب، مما نتج عنه أن تحققت كل الأهداف والغايات من قيام ذلك الاتحاد، وأصبحت نواتجه ظاهرة لدى المواطن العادي الذي شعر بمدى فائدة هذا التجمع الإقليمي، وتحول ذلك الصراع الذي كانت تعيشه أوروبا في القرن العشرين إلى وحدة واحدة، تمكنت أن تحقق نتائج متعددة على المستوى الدولي في المجالات الاقتصادية والسياسية، وأصبحت قوة إقليمية مؤثرة على مستوى العالم، وحظي المواطن بما يمكن وصفه بالجنسية الأوروبية للاتحاد الأوروبي، فلم يعُد هناك فروقات بين مواطني دول الاتحاد، حيث أصبحوا يتمتعون بنفس المزايا والخدمات والمعاملة في جميع الدول، وأصبحت الحدود خطوطًا بيضاء على الطرقات لا شواهد لها بالواقع ولا يشعر بها العابر من خلالها.

أما نحن فالطريق أمامنا طويل وعثراته تزداد يوماً بعد آخر، وما زلنا نقف في ذلك الطابور الطويل من السيارات عند المراكز الحدودية، لا نشعر إلا بالخوف والرعب مما نشاهده تحت مئات كاميرات المراقبة، وكأننا نجتاز خطوط الالتماس بين الدول، يسألني ابني لماذا هذا السياج الخطير، ولماذا هذه الأسلحة نشاهدها، ولماذا هذا الانتظار الطويل في الأجواء الحارة، ثم يقول إلى أين نحن ذاهبون يا أبي؟ ويسألني ماذا تعني أبناء دول الخليج يعبرون من هنا، وكلنا في ذات الطريق؟.

نعم هذا الطريق الذي تاهت فيه خطاوينا ولم نعُد نعرف المسارات التي نعبر من خلالها، فلم يُعد هناك أمل أو طموح، أصبحنا نترقب يوما جديدا أفضل ولكنه لم يُعد كذلك، فقد انتهت كل آمال المواطن الخليجي عند سياج الحدود، أصبح ينظر من خلال ثقب ضيق ليرى مستقبلاً ضيقاً أكثر، لم يتوقف الأمر عند هذا المستوى، فقد انتقل النزاع والاختلاف الخليجي إلى ساحات وسائل الإعلام المرئي والمسموع وشبكات التواصل الاجتماعي فأصبحت مجالاً للصراع الفكري والإعلامي والديني، مما أسهم في تهييج نفوس المواطنين، فأصبح مزامير الفتنة يتخذون من منابر الإعلام منصات لهم لنشر سمومهم الطائفية النتنة، ذلك الإعلام الذي يفترض أن يكون منبراً لتوحيد الصف الخليجي ولنشر القيم والفضائل السامية التي نادى بها الدين الإسلامي، وغرس قيم السلام والأمن والتسامح في نفوس الخليجيين، اليوم جاء ليُخالف تلك الأهداف السامية، ويصبح ساحة للصراع السياسي الذي لا يهم المواطن العادي كثيراً فأصبح أداة للفرقة بين أبناء الخليج.

بالرغم من ابتعاد ذلك الحلم وتحوله إلى أكذوبة نحاول أن نخدع بها أبناءنا إلا أنّ الأمل يبقى موجوداً في إعادة بناء هذه المنظومة الخليجية التي تهالكت عليها كل الظروف وأصبحت منظومة ضعيفة، تعاني من إشكاليات متعددة أخطرها الإعلام السياسي، والخطاب الديني، والاختلاف الإستراتيجي في المصالح السياسية والإستراتيجية، والتكتلات السياسية التي تحيط بها، لذا أصبحت كل دول الخليج تنطلق من خلال أفكار مختلفة وسياسات متعددة لا تساعد على قيام منظومة خليجية ذات رؤية مشتركة.

لذا فاليوم طالما نرغب في بناء منظومة خليجية موحدة، فهناك العديد من التحديات التي تحتاج إلى المعالجة ومن أهمها الخطاب الإعلامي فلا يمكن القبول بحرية الرأي في ظل الاعتداء على حريات الآخرين، فما يحدث من عبث فكري وأخلاقي في الإعلام المرئي يتوجب معالجته، فجب صياغة مواثيق إعلامية تجمع الخليج تحت مظلتها لتعبر عن ذات الرأي، دون التعرض لمصالح الدول الأخرى، هذا ليس أحسن حالاً من الخطاب الديني الذي يشحن النفوس ويهيجها للصراع بين أبناء الوطن الواحد نتيجة لاختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم الدينية، فأصبح هم شباب الخليج المشاركة في الحركات والمجموعات الإرهابية، في حين أن أوطانهم في حاجة إليهم، مما يتطلب بناءهم وتشكيل شخصياتهم وتحصينهم ضد كل التقلبات السياسية، فلا تتحكم فيه إلا النوازع الوطنية التي تدفعه للتفكير في كيفية بناء مستقبل قائم على الإبداع والابتكار، يسعى إلى إحداث تطور في المجالات الاقتصادية والإنتاجية، يصبح قوة بشرية للعطاء والبناء، لأنّه لا يُمكن الاستمرار بذات النهج دون الاهتمام بالشباب الخليجي، فمنطقة الخليج تعتبر منطقة مصالح استراتيجية تنظر إليها الدول العظمى على أنها منطقة للثروات الباطنية التي يجب أن تبقى متحكمة فيها وفقاً لتوجهاتها ومصالحها، لذا فبقاء منطقة الخليج في أطر دويلات صغيرة متفرقة حديثة النشأة ينصب في مصلحة التكتلات السياسية والإقليمية التي تتشكل في الجوار الخليجي.

 

تعليق عبر الفيس بوك