"شابالا" والتغطية الإعلامية

د. محمد بن سعيد الشعشعي

تعرضت السلطنة في سنواتها الأخيرة إلى عدد من الأنواء المناخية المدارية والعواصف والمنخفضات ومرت أغلبها -ولله الحمد- بسلام إذا ما استثنينا إعصار جونو عام ٢٠٠٧، والذي كانت فيه خسائر في الأرواح أو الماديات، لحكم القضاء والقدر، إلى جانب مسببات أخرى منها الإهمال أو اللا مبالاة أو عدم الاحتراز أو التهور...إلخ، أما المدارين الآخرين فإنّ شدتهما أقل وخسائرهما لا تذكر ولله الحمد والفضل على كل حال.

لكن السؤال الذي يُطرح اليوم هل منطقتنا منطقة مدارات ومنخفضات وعواصف وبالتالي يجعل السلطنة تتعرض بشكل مستمر لهذه الأنواء، وإذا كان الوضع كذلك هل ستواصل وسائلنا الإعلامية المحلية تغطياتها المكثفة والمُباشرة عند التنبؤ بأي حالة مدارية قادمة؟! أم أن الأفضل وضع سياسة إعلامية مختلفة في مثل هذه الظروف؟

قدمت وسائلنا الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة طيلة الأيام الماضية، تغطية مباشرة وحية للحالة المدارية "شبالا " التي تعرضت لها محافظة ظفار والمنطقة الوسطى وتلاحمت الجهات العسكرية والمدنية والأهلية في التصدي لهذه الظاهرة بالتكاتف والتعاضد كل في مجاله، وتوعية المواطنين وإرشادهم إلى الطرق التي تبعدهم عن المهالك وتخفف عنهم الخسائر البشرية والمادية، ولا ننسى الجهود المخلصة والجبارة التي يُقدمها رجال القوات المسلحة وشرطة عمان السلطانية في هذه المواقف، ونعجب بما نراه من إخلاص وتنسيق وتلاحم بين مختلف قطاعات الجيش من أجل حماية أبناء هذا الوطن في وقت الشدائد والمحن فنرى معدات متنقلة وأسراباً منتشرة غير مبالية بما قد يلحق بها من مخاطر، لأنها أقسمت على خدمة الوطن والذود عن مكتسباته،، وكانت البرامج الإعلامية على مدار الساعة في نقل حي ومباشر لكل تطور في الحالة المدارية من غرف العمليات إلى الهيئة العامة للطيران المدني، إلى الميدان ونقل الحقائق أولاً بأول حيث ينتشر مراسلو الإذاعة والتلفزيون في كل ولايات محافظة ظفار والمنطقةً الوسطى برًا وبحرًا لتوعية المواطنين وإرشادهم بطرق السلامة والنجاة والبعد عن التهور والمجازفة لأن عواقبها وخيمة .

وعودة إلى السؤال: هل التغطية الإعلامية المكثفة والمباشرة لإعصار شبالا إيجابية على المدى البعيد ؟! يرى البعض أنّ هناك مبالغة في تغطيات المدارات الجوية بشكل عام وأن الإعلام ضخّم الحالة وأرعب المواطنين والمقيمين وأنه إذا ما استمر بهذا الأسلوب الترويعي سوف يفقد مصداقيته على المدى البعيد مما يجعل الجمهور لا يعطي له اهتماماً ولا يُعير إرشاداته وتحذيراته أي انتباه في المستقبل، فتكون التأثيرات سلبية -لا قدر الله- ونحن نرى أن الاحتراز واجب والبعد عن المهالك فرض عين وأن الإعلام يقدم جهدا ملموسا في مثل هذه الحالات، وأن التغطيات لا تصب في منحى التخويف وإرعاب السكان وتهويل الحالة المدارية، لكن القراءات وتنبؤات الخرائط الجوية تعطي مؤشرات المنخفض أو العاصفة والاحتمالات المتوقعة لمثل تلك الحالة وهنا تنقل وسائل الإعلام تلك التحاليل وهي مؤشرات واقعية خاصة وأن هذا الإعصار كان من النوع النادر والخطير حتى وفق الخرائط الغربية وأن خطورته قد تفوق إعصار جونو لولا لُطف الله ورحمته الواسعة بعباده لذا لم تكن التغطيات مبالغاً فيها أو مهولة لإعصار شبالا لكن رحمة الله غيّرت مساره وتلاشت أضراره المتوقعة ولله الشكر والمنة .

لكن الجانب الآخر من التساؤل السابق هل تستمر التغطيات بنفس الكثافة في الحالات القادمة أم يكون هناك تقنين وتعديل في سياسة تغطية المدارات والمنخفضات الجوية ؟!

لا نختلف على أهمية الحدث ومسبباته، ونتفق تماماً بأن الإعلام قام بجهد منقطع النظير في وصف حالة المشهد التي تتعرض لها السلطنة هذه الأيام وأصبح بمثابة همزة الوصل بين المؤسسات الخدمية من جهة وبين المواطنين من ناحية، وفي إيصال الكلمة الصادقة إلى المواطن وإضفاء روح التعاون ورفع الروح المعنوية والتآزر بين أبناء المنظومة لتفادي ما يمكنه أن يؤذي فرداً أو يسيء لمجتمع أو يخدش حياء .

لكن التخفيف من عدد المراسلين، والتقليل من التقارير والنقل المباشر، والاكتفاء بالنشرات الإخبارية والبيانات المركزة الصادرة عن الهيئة العامة للطيران والأرصاد المدني فيه من الصواب على المدى البعيد إذ يقلل التكاليف ويوفر الجهود والطاقات، مع ضرورة وضع برامج توعوية وتعليمية وتثقيفية على مدار العام لنشر ثقافة كيفية التعامل مع المنخفضات والأعاصير . هذا إذا ما وضعنا في الاعتبار أنّ بلادنا مطلة على بحر العرب والمحيط الهندي.

تعليق عبر الفيس بوك