التشاؤم يخدم المشروع الصهيوني

عبيدلي العبيدلي

تناقلت وكالات الأنباء، بشكل متعاقب خبرين متتاليين، أولهما " استشهاد الشاب فادي حسن الفروخ (27 عاماً) من بلدة سعير في الخليل، برصاص الاحتلال خلال مواجهات في قرية بيت عينون شمال الخليل، أمس، ومنع قوات الاحتلال طواقم الإسعاف الفلسطينية من إسعاف الشهيد الفروخ بعد إصابته بالرصاص، قبل تغطيته بأكياس بلاستيكية وتركه ينزف". وبهذا العمل ترتفع "حصيلة الشهداء لتصل إلى 74 شهيداً في الضفة وقطاع غزة والنقب المحتل عام 1948". الثاني، وقبل أن تمضي أربع ساعات على الأول، كان إصابة "ثلاثة جنود إسرائيليين، بينهم إصابة حرجة، في عملية دهس عند مفرق بيت عينون شرقي مدينة الخليل. ووصلت سيارات إسعاف إسرائيلية إلى المكان لنقل الجنود المصابين إلى المستشفى، ووصفت جروح الآخرين بالطفيفة. وتمكنت السيارة التي نفذت عملية الدهس من الفرار".

ردا على الحادثين، توزعت وسائل الإعلام العربي، بأشكالها المختلفة التقليدية وتلك التي تستخدم تقنيات الإنترنت إلى ثلاث فئات: الأولى منها كانت في غاية التشاؤم، حيث لم تكلف نفسها أكثر من إجراء مقارنات حسابية جافة بين خسائر الفلسطينيين وتلك التي تكبدها الكيان الصهيوني، مبرزة فداحة الأولى، وضآلة الثانية. أما الثانية منها فكانت شبه محايدة، وهي الأخرى تحمست لردود الفعل الفلسطينية التي باتت تصيب من جسد الكيان الصهيوني مقتلاً، لكنها أظهرت روحها المتفائلة بشيء من الاستحياء والتردد. وجاءت الثالثة مغيرة لسابقتيها، مفعمة بالتفاؤل الذي يشير بوضوح إلى بداية انقلاب الموازين، وإن كان ذلك بشكل غير ملموس، وبخطوات في غاية البطء في غير صالح ذلك الكيان. لم تفرط هذه النظرة في تفاؤلها لكنها نجت من النظرتين: الأولى بسوداويتها والثانية بخجلها.

في حقيقة الأمر، هناك ما يبرر للثالثة تفاؤلها، عندما يؤخذ في الحسبان، كون التفاؤل أو التشاؤم يقومان، عند تقويم الصراعات على قياس موازين القوى بين الأطراف المتنازعة، وسبر أغوار اتجاه خط سير تلك الموازين القائم والقادم، وفي صالح أيّ طرف تصب مياه ذلك الاتجاه.

وكما تشير الحقائق، فإنه على الرغم من ميلان موازين القوى العسكرية لصالح الكيان الصهيوني في هذه المرحلة، وهو حقيقة لا يختلف حولها اثنان، لكن آلة الحرب ليست العنصر الوحيد عندما تقاس تلك الموازين، حيث يبرز في المقدمة الوضع الاقتصادي، الذي تدلل كل المؤشرات على تدهوره في إسرائيل على نحو ترجح كفته عندما نوازنه مع الأوضاع الاقتصادية في الساحة الفلسطينية، سواء في قطاع غزة أو تحت أراضي السلطة.

وقبل كشف الأرقام للوضع الراهن، لا بد من استرجاع كلفة حرب غزة التي شنتها قوات العدو على القطاع قبل حوالي سنتين. حينها حذر الخبير بالاقتصاد السياسي مطانس شحادة من"حجم الخسائر غير المباشرة التي تكبدها الاقتصاد ومدى صلابته لمواجهتها، في ظل التعويضات التي ستقدمها الدولة للمتضررين مما سيؤدي إلى ارتفاع العجز بالموازنة العامة، (مشيرا في حديث له مع قناة الجزيرة القطرية) أن العدوان على غزة وتكاليفه سيكون له تداعيات على موازنة إسرائيل في 2013، حيث ستتم زيادة ميزانية الأمن لتعويض ما تمّ إنفاقه خلال العدوان إلى جانب تمويل الحاجات الأمنية المستجدة، وهذا سيكون على حساب تقليص الإنفاق في مختلف الوزارات وفرض المزيد من الضرائب على المواطنين مما سينعكس سلباً على سوق العمل".

حينها سارع اتحاد أرباب الصناعة والتجارة، إلى الاعتراف بأن "القطاع الصناعي في الجنوب (الكيان الصهيوني) تكبد خسائر مباشرة وصلت لنحو مائتي مليون دولار، حيث يوجد هناك نحو 500 مصنع لحقها الضرر جراء تغيير وتراجع وتيرة عملها وإنتاجها، منها عشرات المصانع تضررت بالكامل وتعطلت كليا.وتكبد القطاع الزراعي في الجنوب خسائر فادحة تقدر بعشرات ملايين الدولارات لانعدام العمل وتأخر جني المحاصيل من الأراضي الزراعية الممتدة على نحو مائة ألف دونم".

المشهد ذاته يتكرر اليوم بالنسبة للمخاطر التي تهدد اقتصاد الكيان الصهيوني، يكفي الاستشهاد بما نقله موقع ويللا الإخباري الإسرائيلي، عن محافظة البنك المركزي الإسرائيلي كارنيت بلوغ من "أن موجة هجمات السكاكين التي يقوم بها الفلسطينيون ضد الإسرائيليين تسببت في أضرار اقتصادية مؤلمة للبلاد، بينما أشارت قنوات وصحف إسرائيلية إلى ثغرات خطيرة كشف عنها تقرير مراقب الدولة لطريقة تدبير مؤسسات حكومية ماليا وإداري، (مضيفة) أن ثمة مخاوف من تراجع ملحوظ في الحركة التجارية في الأسواق رغم أن العملة الإسرائيلية (الشيكل) ما تزال قوية حتى الآن، (محذرة من) أن تأثير الهجمات الفلسطينية على الاقتصاد الإسرائيلي تمثلت في تراجع ملموس للسياح الأجانب، محذرة من أنه في حال طال أمد الهجمات فإن تأثيرها السلبي سيزداد بصورة مخيفة، ويحمل معه مخاطر جدية على اقتصاد إسرائيل".

وتعترف تقارير اقتصادية رسمية في الكيان الصهيوني "عن مدى الضرر الذي سيصيب الكيان حال استمرت الانتفاضة بذات الوتيرة ولشهرين فقط. فتذكر صحيفة (مكور ريشون) العبرية "أن ثمن شهر من الانتفاضة سيكون خسارة 5 مليار شيغل من الدخل القومي العام وغالبيته سيكون من قطاع السياحة الذي تلقى ضربة قاسية بالقدس المحتلة مع انخفاض الحجوزات الفندقية بنسبة وصلت إلى 50% منذ بداية شهر أكتوبر الحالي، مضيفة) إن ثمن عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار سيكون خسارة الاقتصاد الإسرائيلي ل 10.5 مليار شيغل إذا ما استمرت الانتفاضة الحالية خلال الشهرين القادمين ما يهدد بإدخال الاقتصاد الإسرائيلي بفترة ركود على خلفية تردي الوضع الأمني، وإن 4 مليار شيغل جرى تحويلها حتى الآن لنفقات الجيش والشرطة خلال المواجهات بالإضافة ل 1.5 مليار شيغل جراء انخفاض دخل الحكومة من الضرائب".

عليه قد تبدو هذه العمليات العسكرية التي ينفذها الفلسطينيون، "قزمة" في نظر البعض، لكنها وكما تكشف اعترافات العدو تشكل "وخزات" خطرة تهدد بنيانه كدولة، تصر على انتزاع شرعية وجودها في المجتمع الدولي، الت بات الكثير من دوله يدركون زيف تلك الادعاءات.

كل ذلك يدعو حاملي راية التشاؤم إلى إنزالها، لأن ذلك التشاؤم يتحول إلى معاول هدم بأيدي الكيان الصهيوني، ومشروعه التوسعي، بغض النظر عن نوايا أصحابه!.

تعليق عبر الفيس بوك