سلطنة عُمان وسياسة احتواء الأزمات العربيَّة

د. يحيى أبوزكريا

في هذه اللحظة العربية الحرجة -حيث انفراط الإجماع العربي، وانفتاح الأمن القومي العربي على مزيد من التحديات، ونتشار ظاهرة الإرهاب الأعمى في أكثر من جغرافيا عربية، وتصدُّع بعض الدول من خلال حروب أهلية داخلية تهدِّد مؤسسات الدول وجيوشها، وانكفاء بعض الدول العربية عن نفسها، واتباع سياسة النأي بالنفس، والعمل الجاد لوقف الفتنة الكبرى في العالم العربي- تبرُز سياسة سلطنة عُمان التوفيقية والتوافقية بين الأطراف المتصارعة في العالم العربي وفي العالم لتشكِّل ضمانة حقيقية للعرب، وعاملَ إنقاذ لهم من الغرق الحتمي إذا استمر الأمر على ما هو عليه.

وينظرُ العربُ -أو معظمهم- إلى سياسة عُمان بكثير من الاحترام والتوقير؛ لأنَّ العرب والمسلمين في حاجة إلى من يجمعهم ويوحِّدهم ويكرِّس صَوْت العقل والعقلانية فيهم، وتتميَّز دبلوماسية التوفيق والتوافق العُمانية بكثير من الحنكة والحكمة، فهي دبلوماسية جادة لا تبحث عن الأضواء الإعلامية، ومن يصيغ مسارها يعرف أن الإعلام يحرق الخطوات الجادة في المسائل التفاوضية، ورب حراك دبلوماسي أزهق الإعلام تكامله في المنطلقات والبدايات.

كما أنَّ الدبلوماسية العُمانية التوافقية تقوم على ضرورة السماع لكل الأطراف المتخاصمة، ولا ينفع في مثل هذه الدبلوماسية أن أقف مع طرف دون آخر؛ لأنَّ عملية التفاوض الناجح والإقناع الجاد -كما يقتضي علم التفاوض الدبلوماسي- تقوم على ضرورة السماع لأطراف الصراع وجمعها على قاعدة القواسم المشتركة والبناء عليها، ومن ثم الذهاب إلى المختلف من الآراء بعد أن يكون المفاوض الناجح قد ثبَّت أرضية القواسم المشتركة، وهذا الأداء الحكيم هو الذي أهَّل سلطنة عُمان لأن تساهم في حلحلة أعقد أزمة دبلوماسية وسياسية عرفتها الألفية الثالثة، وهي الخلاف الأمريكي-الإيراني الذي أوْشَك أن يفضي إلى حرب ضروس تأكل الأخضر واليابس في الخليج العربي والعالم العربي والعالم أيضا، وكذلك نجاح سلطنة عُمان في سياستها الخارجية، وبتوجيه من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد الذي يتمتع بحكمة سياسية قل نظيرها عربيا، جعلها تدرأ عن الأمن القومي العربي خطر حرب كادت لو اندلعت أن تدمر العالم.

فالسلطنة في نجاحها الباهر في وصول الاتفاق الأمريكي الغربي-الإيراني إلى النهايات، إنما وفَّرت مزيدا من الأمن للخليج العربي والعالم، وإذا كانت السلطنة بحكمتها قد نجحت في تفكيك لَغَم خلاف دبلوماسي دولي، فإنها تملك كل القدرات الدبلوماسية والتفاوضية لحلحة الأزمات الإقليمية وتحديدا في الجغرافيا العربية. وفي هذا السياق، تندرج زيارة رئيس الدبلوماسية العُمانية يوسف بن علوي إلى العاصمة السورية دمشق ولقائه مع رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد، والسماع مباشرة لطرف رسمي في الدولة السورية لإعادة تجميع النقاط والسماع لكل الأطراف والاقتراب من كل أركان الأزمة السورية؛ وبالتالي عندما ينطلق العمل الدبلوماسي يكون مرتكزا على أرضية معلومات مستقاة من مصادرها، ولن تكون خاضعة للمزاج والمواقف المسبقة التي تزيد في توتير المشهد السياسي وتعقيده. وسلطنة عُمان مؤهلة إلى أبعد الحدود لإيجاد أرضية توافق بين السوريين بعد انتهاء العمل العسكري السوري-الروسي في سوريا؛ لأنَّ العملية العسكرية لا بد أن تنتهي بحل سياسي جذري يمهد الطريق لخروج سوريا من عُنق الزجاجة.

وعلى الصعيد اليمني، فالتصور القائم في الكواليس الدبلوماسية أن سلطنة عُمان نجحت إلى أبعد الحدود في جمع أطراف الأزمة اليمنية، وأنَّ المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد كاد يسجل اختراقا في سلطنة عُمان وبمساعٍ وفضل السلطنة، وأن ما طرح في مسقط بين الأطراف المتنازعة في اليمن هو ما سيشكل مدماك التوافق المقبل بين اليمنيين، وبهذا اللحاظ تكون سلطنة عُمان قد وطأت أرضية الوفاق والحل السياسي المرتقب في اليمن.

وكلُّ هذه النجاحات الدبلوماسية لسلطنة عُمان والهادئة والبعيدة عن الدعاية والبروباجندا الإعلامية، جعلت الكثير من العرب يُيمِّمون وجوههم شطر مسقط كلما يشتعل حريق عربي هنا أو هناك. وسبب ذلك أنَّ السلطنة نأت بنفسها عن سياسة التوتر، وحافظت على علاقة متكاملة وإيجابية مع دول الإقليم والعالم، و تحظى باحترام من قبل الجميع، وهذا ما يعطي لأي مسعى دبلوماسي لها مصداقية بالغة.

وقد أصْبَح العرب في أحاديثهم الإعلامية والسياسية -ولدى حديثهم عن الصراعات في الداخل العربي- يقولون وعلى الهواء مباشرة: "وسِّطوا سلطنة عُمان، فإنها الأقدر على الجمع".

تعليق عبر الفيس بوك